كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أنقرة ودمشق: تقارب يضع واشنطن في مأزق

د. خيام الزعبي- فينكس

يعدّ الملف السوري أحد عناصر الخلاف بين أنقرة والبيت الأبيض الذي ينشط بقوة عسكرياً في مختلف الدول العربية، ويشكل تنظيم "ي ب ك" الذراع السوري لـ "بي كي كي" أزمة مربكة بين تركيا والولايات المتحدة التي تدعم هذا التنظيم، فيما تتجه الأنظار حالياً إلى مصير الملف السوري في المرحلة الجديدة من العلاقات السورية التركية، والتي أفقدت واشنطنالكثير من الخيوط وقدمت خسائر فادحة لم تكن في حساباتها.

في الحقيقة، شهدت الفترة الفائتة قدراً كبيراً من التوتر والتخبط على فترات زمنية متقاربة، جعلت العلاقة التركية الأمريكية مضطربة، وغير مستقرة، وبلا خريطة واضحة، وخلافات مستمرة بسبب عدة قضايا من بينها تغير مسار السياسة التركية تجاه سورية،وفي هذا التطور الجديد أعلنت الرئاسة الأمريكية عزمها على إعادة تقييم ومراجعة علاقاتها مع تركيا، وفي الوقت نفسه حذرت واشنطن أنقرة من اللعب بالنار،إذ تعهد الرئيس الأمريكي "بتدمير اقتصاد تركيا".

بالمقابل طالبت تركيا الولايات المتحدة أكثر من مرة بالانسحاب من شمال شرق سورية، حيث تنظر تركيا للانتشار العسكري الأمريكي بأنه شكل المظلة الحامية في توليد قوة مصنفة إرهابياً لدى أنقرة، لتسيطر على أجزاء من سورية وتشكل تهديداً للأمن القومي التركي، باعتبار أن أغلب قيادات قسد هم من قيادات حزب العمال الكردستاني التركي لذلك فإن لدى تركيا مصلحة كبرى بهذا الانسحاب الأمريكي.

وعلى خط مواز، تدعم القوات الأميركية تحالف "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)  لذلك يبقى رهان أمريكا السياسي والعسكري في سورية يعتمد على المكون الكردي بشرق الفرات، والوجود الأمريكي هناك تحت عنوان مواجهة تنظيم داعش، هذا الرهان يصطدم بالصراع بين تركيا والأكراد في المنطقة.

هنا لا بد من التذكير بأن وجود القوات الأمريكية في المنطقة يهدف للسيطرة على الحدود العراقية السورية من أجل إطباق الحصار على سورية والعراق، ومنع التواصل بين بيروت ودمشق وبغداد وطهران امتداداً إلى موسكو، وهناك استهدافات خطيرة لنهب النفط السوري ونقله عبر الأراضي العراقية، وكذلك سرقة القمح السوري بالتواطؤ مع قسد المدعومة من أمريكا وإخراجها عبر معبر الوليد غير الشرعي إلى العراق، ومن ثم بيعها والمتاجرة بها، وأيضا لقطع الطريق على استراتيجية الحزام والطريق الصيني، ولدعم النظم الموالية لأمريكا وإسرائيل الارهابية في المنطقة.

ولا شك إن الولايات المتحدة متضررة من مشروع التطبيع التركي- السوري، لأنه سيكون على حساب حليفتها "وحدات حماية الشعب"، وهذا يعني مزيداً من الانخراط التركي إلى جانب دمشق وحليفيها (روسيا وإيران)، في الضغط على الوجود العسكري الأمريكي في سورية. وبالتالي إن الضرر الذي قد يلحقه التقارب التركي- السوري بمصالح واشنطن، سيجعل الأخيرة تسعى لعرقلة هذا التطبيع، لكن الواضح أن الولايات المتحدة لا تمتلك أدوات الضغط الكافية على تركيا لثنيها عن التطبيع مع سورية، كون أن تركيا لا تملك خياراً سوى أن تتعاون مع دمشق لضرب الإرهاب لاجتثاثه من جذوره، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد نحو تحقيق المصالحات مع دول المنطقة.

في الاتجاه الآخر، لم تعد "قسد" أداة ضغط قوية ورئيسية بيد أمريكا على تركيا، لأن أنقرة ليست بحاجة لمسار التطبيع مع دمشق فقط من أجل ملف "الوحدات الكردية"، بل هناك قناعة تركية متزايدة بأن الأزمة في سورية أصبحت تشكل عبئاً إضافياً على تركيا، خاصة بالنسبة لملف اللاجئين، فضلاً عن تطور الأحداث في الشمال السوري بعد إحراق العلم التركي وإنزاله من أسطح المؤسسات الرسمية، وهناك قناعة تركية أيضاً بأن واشنطن لم تعد قادرة على الاحتفاظ بوجودها العسكري في سورية لفترة طويلة، خاصة بعد إعطاء الضوء الأخضر الى قوات المقاومة الشعبية المكونة من القبائل العربية لطرد قوات الاحتِلال الأمريكي، واستِعادة السيادة على الآبار النفطية والغازية شرق الفُرات، كما أن هناك انتخابات رئاسية أمريكية قريبة، وعودة محتملة لترامب قد تؤدي إلى تسريع الانسحاب الأمريكي من سورية، كل تلك المعطيات تجعل من أردوغان أن يسلك طريق التحالف مع الرئيس الأسد، والانخراط إلى جانب روسيا وإيران لأنهاء الأزمة في سورية بأسرع وقت ممكن.

وفي النهاية، تمرّ أمريكا في مرحلة مفصليّة من إعادة رسم تحالفاتها في المنطقة، بما في ذلك سورية الذي يبدو أنّها لم تعد تملك قدرتها وخبرتها على فهم تطورات الأحداث فيها، بعدما كانت صانعة لأحداث المشهد في سورية، و تعيش في الوقت الراهن أسوأ مراحلها من حيث خسارتها لأكبر شبكة تحالف صنعتها لعقود طويلة تفقد حلفائها هناك والذي شكل ورطة لأمريكا مقابل بروز الحلف التركي الروسي الإيراني السوري.