كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بلاد السادة....

باسل علي الخطيب- فينكس:

 فيروز لم تخدعنا عندما غنت لنا (خبطة قدمكم...)....
قديمة دمشق ومازالت تدين بالولاء لثقافة الياسمين، يكفي أن تسند رأسك إلى جذع شجرة زيتون في هذه البلاد، حتى تشعر أن راحة الدنيا وراحة الآخرة بين راحتيك، نعم، لولا دمشق لما ارتفع الآذان، ولما قرعت الأجراس....
هذا هو قدرنا، هذا هو قدر دمشق، لاتستطيع أن تختار قدرك كما لاتستطيع أن تختار اسمك، نحن عملاء لضوء القمر في تدمر لأن فينا صرخة زنوبيا، ولأنه في الجانب الآخر من الذاكرة زينون الرواقي وفيليب الحمصي وجوليا دومنا والكواكبي ويوسف العظمة و سلطان باشا الاطرش و فارس الخوري وجول جمال وصالح العلي وحافظ الأسد، وليس أبو رغال وبقية رهطه...
على فكرة طيف زنوبيا مازال يتجول في الحارات الدمشقية، على ذمة بعض الشهداء، هي أحياناً تقدم القهوة في قصر الضيافة حيث ذاك العرين لضيوف الأسد....
إنها دمشق، دمشق وحدها من تستطيع أن تعطيك ذاك الصك إياه، سواء كان الشخص جمال عبد الناصر، أو كان هاني شاكر، أو محمد بن سلمان، نعم وحدها دمشق من تعطي صكوك الوطنية والعروبة والكرامة، وتعطي صكوك البراءة أحياناً.....
نعم، ليست دمشق من عادت، هم كلهم قد عادوا، فدمشق لاتذهب إلى أحد، عادوا ليس لأنهم اقتنعوا، إنما عادوا لأنهم خسروا، عادوا حتى لايخسروا أكثر، لأن بوابة بقائهم وبقاء دولهم تمر من باب شرقي، واحياناً من باب الجابية...
هذا ليس كلاماً للريح، هذا كلام لذاك العقل الجميل، لذاك العقل السوري العبقري، نعم، لقد تحملت سوريا الكثير والكثير لكي لاتتحول هذه المنطقة إلى موطىء قدم للشيطان الرجيم....
اعتادت سوريا التضحية دائماً، لم ترد سورياً أحداً عن بابها، تقاسمت مع الجميع كسرة الخبز وكأس الماء، لم تبني سوريا خيماً لكل من قصدها، كانوا في ديارها كأنهم مواطنوها، الفلسطينيون واللبنانيون والعراقيين والصوماليون والسودانيون....
استقبلت سوريا وأوت الكل، الثورجيين، العشاق، الشعراء، المجانين، الدراويش، الصعاليك، الحالمين، الهاربين، اليائسين، البائسين، الطامحين..... استقبلتهم ولم تجعلهم يدفعوا حتى ثمن كاس الشاي الذي كانوا يشربونه...
استقبلت كل أولئك اعلاه، و لكن أغلبهم خانوها، خانوها عند أول كوع، خانوها وعندما اشتد عودهم طعنوها، عندما حلت كل تلك النوائب بالسوريين، تخلى عنهم الجميع، لم يستقبلهم احد، ومن استقبلهم لفظهم إلى الخيام، وتاجر بمعاناتهم...
على فكرة سبق وكتبت مقالا عن (اللاسورية).... إن كان هناك مفهوم مصطنع اسمه (اللاسامية)، فمفهوم (اللاسورية) هو حقيقي، وقد تجسد في هذه الحرب قولاً واحداً، تلك ( اللاسورية ) كانت نتاج الحسد، والحسد فقط....
هل تعرفون معنى كلمة سوريا؟ كلمة سوريا أو سيريا سريانية الاصل، تتألف من مقطعين، الاول المقطع (سير) يعني في السريانية القمة، وصار اصطلاحا يطلق على علية القوم وسادتهم، ومنه على فكرة أتت كلمة سير في اللغة الانكليزية، والمقطع (يا) وهو من كلمة (جيا) آلهة الأرض الأولى، حيث يعني هذا المقطع (يا) أراضي أو بلاد...
وعليه يصبح معنى كلمة سوريا أو سيريا بلاد السادة....
هل تعرفون اين تقع قرية ترنبة؟ تقع جنوب شرق مدينة ادلب، طلب من اخي الرائد ابراهيم علي الخطيب أن يحمي تقاطع طرق استراتيجي هناك لحين وصول تعزيزات الجيش، كان مع أخي ثلاثة وثلاثون عنصراً غيره وعربة مدرعة واحدة ، ماهي إلا ساعات بعد تمركزهم وشن عليهم الإرهابيون هجوماً كبيراً، كان عديد الإرهابيين قرابة الخمسمئة، وكانوا يشنون هجماتهم على دفعات أو موجات، بحيث لا يتركوا لعناصر جيشنا ولو دقيقة ليستريحوا، قاتل رجالنا لمدة ست ساعات دون توقف، كانوا يستعملون الماء لتيريد سبطانات البواريد، وكانوا يقتصدون في الطلقات احياناً، لدرجة أنه حصل اشتباك بالسلاح الأبيض مع مجموعة إرهابية تسللت على أحد المحاور...
استشهد ثمانية وعشرين من أولئك الرجال، كان أخي أحدهم وكان الوحيد مع شهيد آخر من طرطوس، بقية الشهداء كانوا من كل تلك البقاع التي بارك فيها ومن حولها، كانو من حلب ودير الزور والرقة والحسكة ودرعا والسويداء ودمشق وحمص وحماة واللاذقية، بل كان هناك شهيدان من ادلب... نعم، أكاد أعرف على اي زيتوتة وأين تقع اغمضت عيون كل واحد من أولئك الغوالي....
قاتلوا كلهم ولم ينسحبوا أو يهربوا، ألم يقسموا جميعا ذاك القسم العظيم " اقسم بالله العظيم أن أحافظ على الجمهورية العربية السورية....."؟.....
خذوا علماً أيها السادة، كل الجمهورية تنحني أمامكم، وهاهو كل هذا العالم سينحني أمامكم.....
ولكن من ينسى أمهات الذين استشهدوا؟ لأمهات الذين استشهدوا، لأمهات الذين ينتظرون ومابدلوا تبديلا تنحني هذه الكلمات....
كانت امهاتنا - آه لامهاتنا اللواتي يشبهن لغة الورود - يملأن عيوننا بالياسمين، يملأن عيوننا بقرع السيوف....
على فكرة، نحن من غنت لنا فيروز (نحن والقمر جيران)....
أبانا الذي في السموات ائتنا خبزنا كفاف يومنا، وذاك الشرير نحن بحولك كفيلون به، قل يا أيها الكافرون لا أعبد ماتعبدون ولا انتم عابدون ما أعبد...
هل أتاكم حديث جبال التين والزيتون؟.....
كل عام وانت بخير يا أجمل البلاد القديمة واقدم البلاد الجميلة....
كل عام وانت عمود السماء....