كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عندما يكون العسل سماً

باسل علي الخطيب- فينكس:
قولاً واحداً أعرف العسل، وقد جربته طعاماً وشهراً وشفاهاً، واعتقد أنني أعرف السم، لم أجربه، ولكن عرفته كلاماً و منشورات وعِشرةً و ناساً.....
و أكاد اكون خبيراً في ما خص السم في العسل، ذاك الذي يسميه البعض (حقاً يراد به باطل)، والأصح أن يقال إنه (باطلاً يراد به باطل، أُلبس لبوس الحق)....
صادفت على عدد كبير من الصفحات، بعضها خاص، وأكثرها عام، وكالعادة نسخاً ولصقاً، صادفت منشوراً يتحدث عن أحوال سوريا الاقتصادية والمعاشية في عام 1960، تم إرفاق المنشور بصور لبعض المدن السورية، و بعض المدن في بعض مشيخات الخليج في ذات العام....
طبعاً لاينسى صاحب المنشور أن يذرف بضعة دميعات على الحال التي وصلناها....
أما وقد تحدثنا عن السم والعسل اعلاه، فلست أعرف كيف يكون السم في العسل إن لم يكن كهذه المنشورات إياها....
من حيث المبدأ، لايذكر صاحب المنشور المجهول، مصدر معلوماته، لاسيما أن المنشور فيه الكثير من الأرقام والاحصائيات، هذا من حيث المبدأ، لأنني أراهنكم جميعاً أنني أستطيع الآن كتابة منشور يكون على هوى القراء ومزاجهم، أراهن انه سينتشر كالنار في الهشيم، وسينال أكثر مما ناله منشور صاحبنا المجهول من اعجاب وتعليقات ومشاركات....
علماً أن منشوره المذكور قد نال الكثير من التفاعلات، وهذا إن دل على شيء، فهو يدل ومرة أخرى على أن الجهالة متبادلة، و إن ثقافة النسخ واللصق التي اعتنقناها، ماعاد من غاية لها إلا تكديس التفاعلات، ولو كان ذلك على حساب تضليل أو تجهيل الناس، أو على حساب هلع وخوف الناس، أو على حساب كراماتهم، أو على حساب استغباء الناس.....
بالعودة للمنشور وللتدليل على حجم التضليل والاستغباء فيه، أشير إلى نقطتين فقط، في عام 1960 لم تكن هناك دولة اسمها الجمهورية العربية السورية، في تلك الفترة كانت سوريا جزءً من دولة الوحدة مع مصر، عدا عن ذلك يقول المنشور أن سوريا كانت تحتل الترتيب 35 اقتصادياً على مستوى العالم من اصل 200 دولة، آنذاك لم يكن عدد دول العالم يتجاوز 100 دولة، أو أكثر بقليل....
طبعاً، هكذا منشور لم يكن أحد ليكتبه عام 2010، ويبدو أن أغلبنا قد نسى أننا تعرضنا لحرب شعواء لمدة عشرة سنوات، عدا الحصار والعقوبات، نعم لا ننكر دور الفساد في كل الخراب الذي نعيشه، وذلك حتى لايزاود أحد ما علينا، وهانحن نكتب وننتقد ونسعى ما استطعنا إلى الإصلاح سبيلا....
أضف إلى ذلك، وهذا الكلام لمن لاينفك يقارن حالنا بحال مشيخات الخليج، أعتقد أنه وقبيل هذه الحرب كنا افضل حالاً منهم في أغلب المجالات، على قلة مواردنا مقارنة بهم، وان كانت المقارنة تقتصر على ارتفاع البنايات، وعرض ردهات الفنادق، ففي هذه الحالة تعتبر قطر أكثر تقدماً من اليابان....
و الأهم نحن أناس جاعت بطونها بعد شبع، وهم أناس شبعت بطونها بعد جوع مزمن، فذاك الخير الباقي فينا كفيل أن يعيد لأيامنا أيامها السابقة، وذاك الشح المعشعش في بطونهم، كفيل أن يعيد لجِمالهم سيرتها الاولى....
شخصياً أتوجس من المنشورات التي لا تحمل اسماً أو عنواناً، اتوجس من المنشورات التي ليس لها من غاية إلا الاحباط، من دون أن يكون فيها أي فائدة ولو حتى في معرض النقد، اتوجس من الكلام الذي لا يتوافق مع لباس صاحبه أو سيارته أو رصيده في البنك، اتوجس ممن يعتلي منبراً ليتحدث عن رغيف الخبز، وهو يرتدي ساعة رولكس، اتوجس ممن يخطب في الناس عن الصبر، وقد خضب لحيته بأجود انواع العطور الفرنسية، اتوجس ممن يتحدث عن الشهداء وأولاده خارج البلاد، اتوجس ممن يتحدث عن الصمود، و سعر طقمه الذي برتديه يطعم عدة عائلات لشهر كامل.....

ألم أخبركم أنني خبير بأنواع السم في العسل؟