كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حلفاء.. ولكن.. و إشارتا تعجب واستفهام

باسل علي الخطيب- فينكس:

كل ماقد سبق كان يمكن الالتفاف عليه، أو التكيف معه، أما هذا القانون، قانون العقوبات الأمريكي الجديد، فنحن أمام وحش حقيقي، يهدد ماتبقى من الرمق الاخير لدى السوريين....
ذات حصار مماثل فُرض ظلماً وطغياناً على العراق، اختفت كل أنواع الأدوية تقريباً، أو قلت إلى الحدود الدنيا، وكانت النتيجة مئات الآلاف من الوفيات، كانت النتيجة أجيالاً عراقية عليلة و سقيمة ومتهالكة، ومازال العراق يدفع ثمن ذاك الحصار من صحة أبنائه حتى تاريخه...
قانون العقوبات الأمريكي الجديد على هذه الدرجة من الخطورة، القانون سيفرض قيوداً على استيراد المواد الأولية لصنع الادوية، بحجة أنها يمكن أن تستخدم لأغراض اخرى، القانون سيفرض قيوداً على استيراد الأدوية نفسها وللسبب نفسه، القانون سيخول الامريكان أو الصهاينة استهداف مصانع الأدوية، أو حتى معامل الأغذية للسبب نفسه، وكما هي العادة، سيكون تطبيق القانون مطاطاً وكيفياً، حسب ما يرى الأمريكيون أو الصهاينة، وقولاً واحداً ستستجيب كل الدول لتطبيقه كما حصل مع قانون قيصر....
الموضوع يصل مع هذا القانون إلى الحدود القصوى، تلك السكين لم يعد يُلوح بها في الهواء، تلك السكين ستصير على الرقبة، القانون يستهدف الأغلى، يستهدف صحة السوريين، وعلى المدى البعيد، وسيكون له تداعياته على الأجيال اللاحقة....
الهدف لم يعد الجغرافيا بالدرجة الأولى، الهدف هنا وبشكل مباشر البشر، هذه حرب إبادة شاملة، القانون سلاح إبادة شامل ولكن من دون ضحيج، ومسؤوليتنا نحن ومن يتحالفون معنا أن نجعل له ضجيجاً....
ذات حصار وحشي فرض على العراق، مات أكثر من مليون ونصف مليون عراقي بسببه، لأنهم لم يحصلوا على الدواء أو العلاج اللازم، ماتوا بصمت، لم يتكلم أحد، لا وسائل الاعلام، ولا منظمات حقوق الانسان، ولا حتى منظمات حقوق الحيوان، مضت الجريمة هكذا ولم ينتبه أو يكترث لها أحد...
ذات المصير ينتظرنا في سوريا، أنا واثق أن دولتنا ستفعل كل مابوسعها للالتفاف على العقوبات، ولكن هذا لن يكون كافياً، ولن تستطيع تحقيق الكثير، ولكم في قانون قيصر مثالاً واضحاً، المهمة الآن هي مهمة حلفائنا، روسيا وإيران والصين، عليهم أن يعوا - وهذه أول مرة أتكلم فيها بهذه اللهحة - أن الموضوع لم يعد مجرد مناكفات سياسية، أو خطوات تفاوضية، هناك قرار امريكي صهيوني بإبادة هذا الشعب، عليهم أن يعوا، وان يعي الكل، أن الحرب على سوريا ماكانت هذه الجغرافيا أو الدولة أو النظام السياسي فحسب، هم يدركون، وأقصد الصهاينة - وعودوا إلى مذكرات بن غوريون - أن هذا الشعب و إرادة هذا الشعب هما الخطر الأكبر على المشروع الصهيوني....
هذا القانون هو المرحلة الأخيرة والأخطر في مسلسل الابادة وسحق الإرادة، و إن سقطت دمشق، وهي لن تسقط لأنها ستستسلم أو لأنها هزمت، بل لأن أهل سوريا لن يتبقى عندهم حتى الرمق الاخير ليدافعوا عنها، إن سقطت دمشق فلتتحسس موسكو وطهران وبكين الأقفال على أبوابهم جيداً....
كنت أستطيع أن أفهم التراخي من قبل حلفائنا سابقا في التعاطي مع تداعيات قانون قيصر والعقوبات علينا، وكنت أكظم غيظي، ولكن مع هذا القانون ليس مقبولاً التراخي أو التغاضي، أو عدم إعلان حالة الاستنفار للوقوف مع سوريا....
حان الوقت لموسكو لتخرج في تعاملها مع سوريا من عقلية (موطىء قدم على البحار الدافئة)، حان الوقت ليكون التعاطي الروسي مع سوريا أوسع أفقاً من الناحية الحيوسياسية، وان يتم النظر لسوريا على أنها حليف كامل لروسيا كبيلاروسيا...
أما طهران فحان الوقت لتخرج من عقلية (التمدد) وتحقيق المكاسب الآتية على الأرض بالمفرق، أو أن سوريا منصة مواجهة مع الكيان الصعيوني فحسب، لن تسلم طهران أبداً في حال تهاوت سوريا، وسيكون الدور التالي عليها، واتمنى أن تكون زيارة الرئيس الإيراني القادمة فاتحة خير في اتجاه عقلية إيرانية أوسع أفقا في التعامل مع سوريا....
أما الصين فعليها الكف عن التعاطي مع سوريا على أنها مجرد مرفأ على البحر المتوسط، الصراع أبعد من أن يكون اقتصادياً فحسب....
عليهم أن يعوا جميعاً أن الصراع له أبعاد اكبر بكثير، وأن لا ينظر إليه كحدث هنا وحدث هناك، إنما أن ينظر إليها بصورة شمولية بانورامية، أنه حرب وجود أو لا، حرب وجود لهم قبل أن يكون لنا....
حسناً فعلت ما من روسيا وإيران أنهم وقفوا معنا عسكرياً في الحرب ضد الإرهاب، ونحن لا ننكر فضلهما، و لا ننكر أنه لولا روسيا وإيران ماربحنا هذه الحرب، أو أنها كان يمكن أن تطول لسنوات وسنوات، علماً أنهم لم يقدموا مساندتهم لنا كرمى عيوننا، إنما كانوا يعوا أنهم بمساندتنا في الدفاع عن أسوار دمشق، كانوا يدافعون عن أسوار موسكو وطهران، و لكن تلك كانت المرحلة الأولى من الصراع، ونحن صرنا فيما هو أشد....
متى تدرك العقلية الروسية أن القصة تتلخص كلها يتعارض وتناقض مشروعين، الأول هو الجمهورية العربية السورية، والثاني هو المشروع الصهيوني، متى تدرك العقلية الروسية، أن الولايات المتحدة لاتنفذ في سوريا سياسة خاصة بها، إنما تنفذ السياسة الاسرائيلية، نحن لا نريد من روسيا أن تتدخل في حربنا مع الصهاينة، نحن لانريد منها إلا أن تزودنا بما نستطيع به ردع الصهاينة، لا نريد منها إلا أن تعطينا ربع ماتعطيه أمريكا للكيان، وليترك الروس أمر الحرب لنا، فلدينا من العقول والرجال مايكفي لهزيمة الصهاينة......
على روسيا و إيران أن يكفوا عن التعاطي مع سوريا على أنها مجرد مكاسب جيوسياسية، أن يخرجوا من عقلية أن هذا لنا و هذا لكم، على الرئيس بوتين أن يعيد قراءة دوغين فيما خص سوريا، و أن تصبح سوريا بالنسبة لهم حليف كما هو الكيان الصهيوني للولايات المتحدة....
حان الوقت لروسيا أن تفهم أن سوريا تمثل مشروعاً و فكرة، و ليست مجرد جغرافيا أو نظاماً سياسياً أو قاعدة بحرية أو جوية، أن سوريا الفكرة والدور والمشروع تلتقي إلى حد التطابق مع عمق العقيدة الروسية في التعامل مع العقلية والمنظومة والعقيدة الغربية ككل...
حان الوقت لروسيا أن تفهم، أن وجودها في سوريا مرتبط بالدرجة الأولى بالقبول الشعبي، و هذا القبول يتآكل شيئاً فشيئاً مع كل غارة صهيونية على سوريا، مع كل طابور يقف فيه السوريون، مع كل قشعريرة برد يشعر بها السوريون..
على إيران أن تكف في تعاطيها مع سوريا على أنها ورقة تفاوض، عندما ساند القائد الخالد حافظ الأسد الثورة في إيران، لم يساندها لأنه يريدها حليفاً له و للدولة فحسب، إنما ساندها لأنه رأى فيها حليفاً في مواجهة العدو الصهيوني، ليس ككيان فحسب إنما كمشروع بالدرجة الأولى....
على إيران أن تعود إلى عقلية الجنرال سليماني في التعاطي مع سوريا الجغرافيا و الدولة و الدور و الفكرة، على أنها قضية حياة أو موت بالنسبة لإيران، و تلك الفكرة ستسقط ليس لأن الدبابات الصهيونية قد تصل أبواب دمشق، إنما لأنها ذاك المشروع وتلك الفكرة يحتضران في عقول السوريين، لأن أجسادهم و عقولهم لن تعود قادرة على التحمل أكثر.....
وإذ لم يع حلفاؤنا هذا الأمر، ويستمروا بالتعامل بكل تلك اللامبالاة مع مانحن فيه، أو يتعاملوا معه في الحدود الدنيا، حدود رفع العتب، وبما أنه لم يبق لدينا سوى هذا الرمق الاخير، لنذهب بهذا الرمق الاخير إلى النهاية، ولنقلب هذه المنطقة والعالم رأساً على عقب، وتل أبيب أو حيفا ليستا ببعيدتين، وليكن مايكن، فعلى الأقل سنصنع ضجيجاً لموتنا ، ولن نموت بصمت، ولن تكون امهاتنا وحدهن من يبكين..