كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

جبال التين والزيتون

باسل علي الخطيب- فينكس

هذه بقاع لم تنس الله يوماً... ولن ينساها الله أبداً....
آآاه يا سورية، كم قدمنا من أجلك، وينتهي بنا الأمر في تلك الحفرة أو تلك؟!...
لطالما كنا الأفقر مادياً على طول مساحة هذه الجمهورية، ولكننا لم نستح يوماً من فقرنا، لأننا كنا نعوضه علماً و أدباً وشهامةً ونخوةً ومروءةً وإيماناً وتضحيةً وعزة نفس....
هل سبق و خناك يوماً يا سورية؟...
هل سبق وبعناك يوماً؟....
هل سبق ووضعنا أيدينا في أيدي أعدائك، واشتغلنا أجراء عندهم؟!.... نلوك لحم هذا البلد، نمضغه ونتلذذ به ومن ثم نبصقه.....
نحن لم نبازر يوماً على هذه الجغرافية، رغم أن هذه الجغرافية قد حاربتنا دوماً....
نحن لم نخن ذاك التاريخ أبداً، رغم أن ذاك التاريخ إياه لم ينصفنا يوماً....
نحن و إن قست علينا هذه الأرض، لكننا لم نفرط ولو بذرة تراب منها....
نحن حقاً من ينطبق عليهم القول:
بلادي و إن جارت علي عزيزة...
و أهلي و إن ضنوا علي كرام....
نحن ماكنا يوماً إلا كباراً، نحن ماكنا يوماً إلا سادة أبناء سادة، وكل ذلك رغم فقر حالنا....
نحن لم نستزلم عند هذا أو ذاك، لم نبع مقابل ثلاثين من الفضة روحنا و كرامتنا....
أقصى منى أغلبيتنا الحصول على وظيفة، أو التطوع في الجيش، لأننا وبكل بساطة لا نمتلك موارد رزق اخرى، لا نمتلك إلا عقولنا وأيدينا، ولكننا لم ندخل وظائف الدولة عالة أو منة، إنما دخلناها بشهاداتنا، أننا الأفضل في التحصيل العلمي على كل المستويات، أننا الأكفأ...
تطوعنا وتطوعنا في الجيش لأنه لا مجال للكثير منا أن يؤمن قوت يومه إلا بهذه الطريقة، ولكن عندما احتاجنا هذا الوطن، عندما احتاجتنا هذه الدولة، لم نتنكر لذاك القسم "أقسم بالله العظيم، أن أحافظ على الجمهورية العربية السورية...."...
قانلنا على طول هذه الجغرافيا، قانلنا وقتلنا في كل مكان، والكثير من رفات أو أشلاء من نحب اندثرت على طول تراب هذه الجغرافيا....
نحن من دافع عن دمشق عندما كان يحاصرها زهران علوش، نحن من حرر حلب، عندما كانت ألوية الزنكي وغيرها تدك بيوتها بمدافع جهنم...
لم يبق حائط في كل مدننا وقرانا إلا وامتلأ بصور أولئك الشبان، بضعة من جمال يوسف، وبقية من حياء عيسى، وبعض من صبر أيوب......
كم سرنا في أزقة قرأنا، نودعهم واحداً واحداً، أن بعض بعض ذاك النور، قد عاد إلى كله....
نحن من أنقذ الجمهورية، نحن من أنقذ بقايا هذه الدولة، لولانا كانت داعش تتحكم بلون عيون الكل على طول هذا التراب، نحن السوريون حقاً، نحن العرب حقاً.....
نحن من أنقذ هذا الشرق من جحافل الجاهلية....
كل مافعلناه أعلاه لم ننل مقابله مقابل، و إن كنتم تظنون أننا (مدعومين)، فتعالوا لتروا كيف نعيش، نصارع الأيام دقيقة دقيقة كي نبقى على قيد العيش....
قلت على قيد العيش، ولم أقل على قيد الحياة.....
العلم هو ديدننا، العقل هو مرشدنا، نتعلم على سبيل المعرفة والنجاة، و ليس لدينا من حطام هذه الدنيا شيء، ولكننا نعرف كيف نستمتع بما لدينا، ونحمد الله بذلك على ذلك، حتى وإن لم نمتلك إلا سعر فنجان قهوة نشربه، لكننا نعرف كيف نشربه بكل زهو و وسعادة.....
لم تكن سعادتنا يوماً بما تمتلكه من أرصدة في البنوك، يكفينا أن نتكيء على جذع شجرة زيتون لا نملك غيرها، حتى نشعر أن راحة الدنيا وراحة الآخرة بين راحتينا.....
قد تكون سعادتنا (كاسة متة) نشربها على تلك الشرفة مع من نحب، أو أغنية لفيروز،أو بضعةُ من الحان نرقص شباناً وشابات على ألحانها من دون عقد، أو خربشات قصيدة نرسلها لمن نحب على بقايا ورق......
بسطاء نحن، بسطاء كالماء، واضحون كالطلقة، حادون كمشرط جراح، أعفاء النفس حتى انك تظن أننا أغنى العالمين، إن صلينا لانصلي رياءً، لانصلي عبيداً أو طمعاً، لكننا نصلي عباداً أحرار... إن صمتا لانصوم نفاقاً، إنما نصوم وعيوننا ممتلئة شبعة...
نعشق الحياة ونجيدها، و نمارسها بكل عفاف وعزة نفس....
نحن أهل جبال التين والزيتون، مثلنا كمثل تلك الشجرتين، تعطيان من دون مقابل، ومن دون منة، راسخون رسوخهما، شامخون شموخهما...
نحن بقية الله على الأرض، نحن الفرقان بين ذاك النبي وكل بغي....
أعرف أننا لغيرنا لغز كبير، وذلك سواء لمن يعرفنا أو لمن لايعرفنا، ولكن إن كنتم تريدون أن تعرفونا حقاً، انصحكم ان تبحثوا عن كلمة المتقين في القرآن الكريم حيثما وجدت، عندها قد تعرفون من نحن...