كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بانوراما حدث

أحمد غانم- فينكس

- البحر.
أنا جميل ومرعب في الوقت نفسه. قد أحملك إلى جميع بقاع الأرض وجنانها، وقد أبتلعك في أعماقي كصدفة، أو ألفظك على شاطئي كمتاع فاسد إن لم تحترم قوانيني وتتهيأ للقائي.
- خبير.
اللحم البشري شديد الملوحة وتنطلق منه رائحة غير مستساغة في الشواء. لذلك يفضل أكله مسلوقاً بعد التخلص من ماء السلق وإضافة البهارات والتوابل. ولكن أكله في جميع الحالات يؤدي الى ارتعاش الأطراف واختلال في الوظائف العقلية.
- باحث اجتماعي.
أسباب الهجرة كثيرة إلّا أن السبب الرئيس هو تدني الأمن والحرية. أما باقي الأسباب، فتأتي كعوامل مشجعة ومحفزة كالحاجة الى الطعام والماء والاستهلاك المختلف. فقد تهجر جماعة وادياً غنياً بالموارد الثمرية والحيوانية والماء بسبب تدني حالة الأمن فيه أو انعدامها.
- سياسي.
إن المغامرة التي تقل فيها نسبة النجاح عن ٢٥% يكون المهيء لها في الأغلب فشل الحكومات في تأمين أبسط مقومات العيش الكريم والأمن والديمقراطية.
- عالم نفس.
في مثل هذا الواقع الذي وصف سابقاً تسود غريزة القطيع وتتدنى أو تتلاشى القدرة على النقد والتحليل. وحين يستوي الموت والحياة فإن كل شي ممكن حيث يستوي الربح والخسارة.
- باحث أخلاقي.
حين يدفع بعضهم بعشرات العائلات إلى الموت، أو مصير مجهول، من أجل المال فاعلم إن الوحش المفترس لديه من الأخلاق أكثر مما لدى هذا البعض.
وحين تقوم جماعات مناهضة للهجرة باعتراض المهاجرين في البحر وإغراقهم، فإن المستوى الأخلاقي لهذه المدنية تحت الصفر.
- رجل دين.
هذا اللحم البشري للفناء، أما الروح فعلمها عند الله. وقد تكون هذه الضحايا انتقلت من دار الشقاء إلى نعيم البقاء.
- فحم ونرجيلة.
متعهد الموت ينفث دخان نرجيلته ويصرح بثقة: لست المسؤول! كان ذلك خيارهم.
- مخرج سينمائي.
تشكل الجثث الطافية على سطح مياه البحر تتقاذفها الأمواج لقطة سينمائية تبقى في الذاكرة ولا تمحى أبداً.
-مصدر إعلامي.
وصلنا حتى الآن ٥٠ جثة. ١٠ ناجين. وما يزال هناك ١٠٠ مفقود.
- مهاجر.
لم يبق لدي ما أخسره. غرقت عائلتي وفقدت أطفالي. كان الأمل الوحيد لدي أن أعبر الى أي فضاء حي.
- بوح بريء.
الصمت يلف المدينة ويبتلعها وكأنها تقول:
لكثرة ما دفنت من أبنائي صرت أنظر إلى الموت على أنه واجب يومي.
----------------
*ملاحظة١: بمناسبة غرق قارب موت مهاجرين قبالة ساحل طرطوس وأرواد في٢٢/ ٩/ ٢٠٢٢م.
*ملاحظة٢: لا بد من شكر أهالي أرواد على نخوتهم وشهامتهم وكذلك كل من ساهم في عمليات الإنقاذ.