كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

رحل نبيل فياض.. سيعيش الجهل عمراً أطول

نارام سرجون:

من حق الجهل اليوم أن يتنفس الصعداء.. ومن حقه ان يحتفل في مهرجان صاخب بغياب الخطر الذي كان يمثله عليه رجل نبيل مثل نبيل فياض.. سيصول الجهل ويجول اليوم و يشرب الأنخاب ويوزع الحلوى… فليس هناك من يزعجه وليس هناك من يلاحقة وليس هناك من يحرجه وليس هناك من يحاول حبسه او قتله أو محاكمته..
غاب شرطي المنطق وممثل العقلاء وسفير الشجعان.. غاب اليوم عن أداء مهمته في حراسة العقل وحراسة المنطق وحراسة القصة والرواية المفقودة للتراث.. نبيل فياض لم يكن يحارب التراث بل كان يحارب من زوّر التراث ومن شوّه التراث وشوّه النبي.. ولم تكن كتابته اعتداء على أحد بل كانت لانقاذ عقله من الجنون الذي يسكبه لنا التراث ويحول الصحابة والتابعين ومن عايشوا الفترة النبوية الى مخلوقات خارقة فوق طبيعية بلغت المغالاة في حبها حد تشويهها..
رغم اختلاف الكثيرين مع نبيل الا اننا كنا نعرف انه كان يريد ان يعيد الى القصة الدينية عموما والاسلامية خصوصا انسانيتها ويحاول ان ينقذها من التعذيب الذي استمر قرونا على يد القصاصين والوعاظ لتقول مايريدون منها بالاكراه.. وكان يريد لها ان تنطق بعد ان كمم التراثيون فمها وخنقوا صوتها .. بل كان يحاول أيضا ان يغسلها من الجرائم التي حلت بها وان يقدمها لنا كما هي بلا انحياز ولا تزوير وان نرضى بها وترضى بنا.. فهذا تاريخ وهذا ماحدث.. ويجب ان نتعرف على بعضنا من خلاله .. نتعرف على من خالفنا في العقيدة والمذهب ونتعرف على من صنع المذاهب وصنع الحكايات ونفصلها عن شطحات الخيال ونحقنها بالعلم والحياد ولانعذبها كي تقول ماتريد عواطفنا..
سيبتهج الجهلاء اليوم برحيل نبيل وسيرقصون بالسيوف رقصة العرضة وسيقولون ماسيقولون من أن الله انتقم لهم ولكن الله انتقم منهم اليوم أكثر بتغييب هذا القبس السوري المتوهج.. وغيابه يعني ان الله غاضب منهم وعليهم وانه قرر ان يطيل في عمر جهلهم كعقاب شديد.. انها لعنة السماء عندما تقرر ان يقيم الجهل أكثر بأن تأخذ العقلاء والشجعان والحصيفين الى السماء.. وتترك لنا هذه الجيوش من الغوغاء والدهماء والائمة المجانين ورجال الدين المهووسين من كل المذاهب..
ماذا نفعنا بقاء كل حشود رجال الدين والعمامات في كل زاوية من بلادنا وفي كل قرية وزاروب وحارة.. فيما غاب عن كل الجغرافيا العقلاء والباحثون والمحققون مع التاريخ والتراث كل هذه القرون منذ ان غاب ابن رشد؟ لو كان بقاء المؤمنين خيرا وغياب الباحثين شرا لكان حالنا اليوم أفضل.. ولكننا اليوم أسوأ أمة أخرجت للناس.. فكلما كثر رجال الدين فينا قل العقل وقلت المعرفة.. وكلما غاب رجال العقل كثر رجال الدين وجاؤوا يجرون في عباءاتهم الجهل.. وفي ثناياها الجاهلية والفقر والتخلف والخرافات والصراعات والفتن..
واذا غاب نبيل فياض اليوم فان علينا ان نعترف اننا تلقينا هزيمة قوية وان هذا السد الذي وقف في وجه الجهل قد انكسر.. وعلينا ان نكون على يقين بأن السماء قررت اننا لن نتغير ليس لأننا لانغير مافي أنفسنا بل لأننا لم نقبل ان نتغير عندما سخّرت السماء لنا من يضيء الطريق ويضيء العقول ويعلمنا كيف نتغير ونتحدى ونواجه بشجاعة.. ومع هذا لم نتغير.. فحلت علينا لعنة دوام الجهل.. وستبقى الى أن يكثر الباحثون ويقل حراس التراث بسيوفهم الانكشارية..
هنيئا للجهل بانتصاره اليوم وعتبنا على السماء كبير انها أطفأت هذا القبس السوري الجميل الأزرق.. اننا لانستحقك أيها النبيل..
صديق العقل.. وصديق الروح.. وحليف نارام في هذه الحرب على الجهل.. انني أنحني امام رحيلك.. فاقبل مني واسمح لي أن أقدم لك تحية لا أقدمها إلا للفلاسفة والكبار عندما يرحلون..
فلتسترح روحك أيها القبس الأزرق في عرين الفلاسفة الذين انضممت اليهم وصرت من كبارهم.. وزدتهم ضوءا على ضوء.