كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حتى في المساعدات الإغاثية!

زياد غصن- فينكس

إذا سلمنا جدلاً، وهذا غير صحيح، أن العقوبات الغربية هي الوحيدة المسؤولة عن التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي تعيشه البلاد منذ نحو عامين، فهل هذه العقوبات هي المسؤولة أيضاً عن الآليات غير الموضوعية المتبعة في توزيع المساعدات الغذائية الإغاثية؟

الحديث عن الفساد والمحسوبيات في توزيع المساعدات الغذائية الإغاثية ليس بجديد، لكن هذه المرة لدينا بيانات إحصائية رسمية توثق عملية الخلل والفساد.

وقلت فساداً لأن التلاعب بعملية توزيع السلل الغذائية الإغاثية، أياً كانت الأسباب والدوافع، يجري في النهاية على حساب لقمة عيش أسر كثيرة هي أكثر حاجة للدعم الإغاثي.

وما دامت الحكومة عاجزة عن وقف التدهور المعيشي الحاصل، فعلى الأقل لتحاول مساعدة الأسر المتضررة جرّاء ذلك التدهور عبر وضع آليات استهداف عادلة وموضوعية في توزيع السلل الغذائية الإغاثية، والتشدد بتطبيقها على أرض الواقع.

في مسح الأمن الغذائي الأخير، تشير النتائج النهائية إلى "وجود إشكالية في آليات وبرامج الاستهداف التي تعتمدها بعض الجهات المقدمة للمساعدات"، وهو يتطلب "وجوب إعادة النظر بآليات الاستهداف والتركيز على الأسر الشديدة انعدام الأمن الغذائي، والتي فقدت جميع سبل العيش والأصول وتحتاج إلى المساعدة الطارئة".

فمثلاً... تكشف نتائج المسح أن 3% من الأسر التي تلقت دعماً حكومياً في العام 2020 كانت أسراً آمنة غذائية أي أنها غير محتاجة، في حين أن الأسر، التي كانت تعاني انعداماً شديداً في أمنها الغذائي وحصلت على دعم حكومي، فإن نسبتها لم تكن تتجاوز 7.4%!

كذلك الأمر بالنسبة لتركيبة الأسر المستهدفة بمساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، إذ أن الأسر الآمنة غذائياً، والحاصلة على مساعدات من هذه الجهات، شكلت ما نسبته 4.1% من إجمالي الأسر الحاصلة على مساعدات من الأمم المتحدة، هذا في وقت لم تكن نسبة الأسر شديدة انعدام الأمن الغذائي، والحاصلة على مساعدات أممية، تتجاوز 9.3%!

ومع أن مساعدات الهلال الأحمر كانت الأقل خللاَ، إلا أنها تتطلب رغم ذلك مراجعة وتقويم لتصحيح مكامن الخلل... فمثلاً نسبة الأسر الآمنة غذائياً والحاصلة على مساعدات من منظمة الهلال بلغت حوالي 2.9% من إجمالي الأسر المستفيدة من مساعدات المنظمة المذكورة!

أعرف أن الوصول إلى الحالة المثالية في توزيع المساعدات الغذائية الإغاثية أمر مستحيل في مجتمع بات ينخره الفساد والمحسوبيات وتسلط مراكز القوى وأمراء الحرب، لكن على الأقل في هذه الظروف الصعبة من المهم محاولة إصلاح ما أمكن، بغية التخفيف من معاناة آلاف الأسر في سعيها لتأمين لقمة العيش، والحيلولة من دون انزلاق أسر أخرى في دائرة فقدان الأمن الغذائي.

وإذا كانت مسألة اقتراب أسر كثيرة من حافة الجوع لا تعني البعض أو لا يقدرون خطورتها الاجتماعية والصحية، فإن زيادة الاحتقان الاجتماعي يجب أن تعني الجميع، لأنها في النهاية هي إحدى ركائز سياسة خارجية لبعض الدول في التعامل مع دول تعتبرها "مناهضة" لها... والتجارب كثيرة.