كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

التباهي بالجامعات... لا بالمطاعم!

فينكس- زياد غصن: 

لا يجد بعض المسؤولين أفضل من المطاعم لتأكيد مقولتهم إن البلاد بخير، أو إنها تعيش حياة طبيعية..!

لا بل أن أحد المسؤولين كان يطلب دوماً من وسائل الإعلام الرسمية نشر صور للمطاعم في مناطق معينة لتأكيد المقولة نفسها..!

مثل هذا المنطق ليس مستغرباً عن تفكير شريحة من المسؤولين تُعرف بإمكانياتها المحدودة وضعف ثقافتها ومؤهلاتها الفكرية والمهنية، إذ أن مثل هذا المنطق كان يؤخذ حجة ضد الدولة السورية من جهتين:

فمن جهة كانت بعض الأصوات المؤيدة خارجياً لزيادة العقوبات على دمشق تنفي تأثيراتها على معيشة المواطنين السوريين بدليل صور المطاعم الممتلئة بالزبائن المنشورة عبر وسائل الإعلام الرسمية، ومن جهة ثانية هناك من كان يستثمر الحجة نفسها أيضاً في اتهام الدولة بالتمييز الاقتصادي بين المناطق التي بقيت تحت سيطرتها، وتلك التي تحررت حديثاً، في حين أن البيانات الإحصائية تؤكد أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي هما سمة الحرب المشتركة بين جميع المناطق، وإن تباينت النسب بينها تبعاً لمدى تأثرها بمجريات الحرب ومعاركها.

بداية لنعترف أن الحرب أسهمت في نشأة طبقة جديدة من المنعمين والأثرياء، كما أنها حافظت على استمرارية طبقة أخرى عرفت بأنشطتها الاقتصادية خلال السنوات السابقة، وتالياً فإنه من الطبيعي أن تشهد المطاعم والمنشآت السياحية إقبالاً ما.. لكن ما نسبة الأسر السورية التي تتمكن اليوم من دخول المطاعم؟ وما عدد مرات ذلك سنوياً؟ وما متوسط إنفاق كل أسرة على المأكولات الجاهزة والسياحة من إجمالي إنفاقها الشهري أو السنوي؟

المنطق السليم يفرض بالمسؤولين التباهي بمؤشرات التعليم المتحققة، عدد الأبحاث العلمية المنجزة، عدد الكتب المباعة، عدد الصحف والمجلات والدوريات الصادرة، نسبة التسرب من المدارس، نسبة الأمية، وغير ذلك.

هذا ما يجب أن يتباهى به المسؤولون لتأكيد قوة الدولة السورية و حيوية مؤسساتها، لا ترويج صور المطاعم والمصايف، شواطئ المنشآت والمجمعات السياحية الخاصة، سيران الفئات الشعبية الفقيرة، وغير ذلك.

وحتى عندما يتطلب الأمر الإشارة إلى جهود تأمين لقمة معيشة المواطن في ظل الحصار الغربي، فالرسالة لا تكون بعدد أرغفة الخبز المنتجة، ولا بكميات الأرز الموزعة عبر السورية للتجارة، ولا بحجم الدعم المالي المقدم صباح كل يوم لقطاع الكهرباء، وغير ذلك.

الرسالة تكون بعدد الأسر التي تخلصت من الفقر بفضل الإجراءات الاقتصادية المتخذة، عدد الأسر المشمولة بشبكة الدعم الاجتماعية المفترض وجودها، عدد فرص العمل المتحققة فعلاً، عدد المشروعات التنموية الصغيرة والمتوسطة المستثمرة فعلاً وتوزعها الجغرافي، وغير ذلك.

لكن ماذا لو لم تكن تلك المؤشرات موجودة؟

في هذه الحالة نحن أمام تحديين:

-الأول الاعتراف الحكومي بنقاط الضعف والثغرات الموجودة التي حالت من دون تحقق تلك المؤشرات، وما يتطلبه ذلك من مراجعة لجوانب الأداء الحكومي. ومثل هذا الاعتراف في زمن الحرب له ما يبرره، ويشكل نقطة قوة.

-الثاني لجوء بعض المسؤولين والجهات الحكومية إلى تقديم بيانات ومؤشرات غير دقيقة في محاولة لـ"تجميل" الواقع، وهذا من شأنه اتساع فجوة عدم الثقة بين المواطن والمؤسسات، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد نتيجة الاعتماد على مؤشرات خاطئة أو غير دقيقة في رسم السياسات الداخلية.

هامش: لست ضد الاستثمار السياحي في هذه المرحلة، لكن الأولوية في الحديث والدعم هي لقطاعات أهم كالتعليم، الصناعة، والزراعة.