كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

تغيير الصورة الذهنية!

زياد غصن- خاص فينكس:

في العام 2011 كلفت برئاسة تحرير صحيفة "تشرين"، وكانت أولى الأفكار التي طرحتها على وزير الإعلام آنذاك د. عدنان محمود العمل على إصدار صحيفة يومية جديدة.

سألني الوزير محمود عن المبررات والأسباب، فقلت له: أياً كانت الجهود المبذولة في تطوير صحيفتي "تشرين" و"الثورة"، فإن الصورة الذهنية المتشكلة لدى المواطن ستبقى عائقاً يحول دون استعادة ثقة القارئ، واستشهدت بقصة تأسيس صحيفة "تشرين" نفسها التي جاءت في مرحلة كانت تتطلب صوتاً إعلامياً مختلفاً. واقترحت لنجاح الصحيفة الجديدة أن يجري تأسيسها وفق نظام خاص إدارياً ومالياً، وذلك على شاكلة الشركة السورية للاتصالات، بحيث يتولى إصدارها كادر بشري رشيق مؤلف من خبرات وكوادر شابة وطنية في مجال الإعلام المطبوع.

ولا أخفيكم أن الوزير تحمس للاقتراح وطرحه للنقاش على اللجنة التي شكلت آنذاك لإعادة هيكلة مؤسسة الوحدة ومن ثم طلب مني العمل على وضع دراسة موجزة للاقتراح المذكور، لكن التغيير الوزاري الذي جرى في حزيران من العام 2012 جمد كل شيء... لا بل زاد من مشكلة الصحافة المطبوعة في سورية.

أروي هذه الحادثة لأقول: إن كل إجراءات تطوير مؤسسات القطاع العام وضخ المزيد من الاستثمارات فيها ستبقى معرضة للفشل أو الضياع إذا لم تترافق مع خطوات مدروسة لتغيير الصورة الذهنية المتشكلة لدى الرأي العام عن عمل تلك المؤسسات وأدائها ومستقبلها.

وهذه الصورة تمثل اليوم أحد أهم أسباب فقدان الثقة بين المواطن وبعض المؤسسات الحكومية، سواء كانت تلك الصورة مبنية على معلومات وبيانات خاطئة أو كانت صحيحة ونتيجة تراكمية لأداء بعض المؤسسات وعلاقتها مع المواطن، إذ ما فائدة أي مشروع تطويري إذا لم يكن له صدى طيب لدى الشارع أو إذا لم يلق دعماً شعبياً، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ردة الفعل الشعبية على بعض المشروعات الحكومية، التي هي بنظر المواطنين ليست سوى باب جديد للفساد أو مجرد هدر للأموال العامة...الخ.

لذلك هناك عمل كثير بانتظار كل مؤسسات القطاع العام لتغيير صورتها المتشكلة لدى الرأي العام، والتي تختلف بين مؤسسة وأخرى، فمثلاً الصورة المتشكلة عن مديرية الجمارك العامة ليست هي نفسها المتشكلة عن مديريات التموين في المحافظات أو عن مديريات المالية أو عن مؤسسات ومنتجات وزارة الصناعة أو عن المؤسسات الإعلامية والثقافية.... وغير ذلك.

طبعاً، وكما هي العادة، فليس هناك أي قياس أو رصد علمي للموقف الشعبي المتشكل حيال أداء القطاع العام عموماً، وأداء كل مؤسسة فيه خاصة، وتالياً فإن الخطوة الأولى في مشروع تغيير الصورة الذهنية تبدأ من هنا للوقوف على الأسباب والعوامل تمهيداً لمعالجتها.

قد نكون مضطرين في سياق ذلك لتغيير أسماء بعض المؤسسات، الماركات، الإدارات، أو إلغاء منتجات وإطلاق أخرى، أو إلغاء مؤسسات ودمج أخرى، تغيير آليات العمل والتفكير بالكامل، وذلك بالتوازي مع حتمية تغيير وتطوير الأداء بشكل جذري... فالمشروع في النهاية يتطلب خطوات جريئة، ولا يمكن أن ينجح بإجراءات شكلية وحملات إعلامية تقليدية تزيد من حجم المشكلة.

عندئذ فقط تتشكل أولى ملامح استعادة الثقة في علاقة المواطن بالمؤسسات العامة، وإلا فإن الأمور ستبقى على حالها، وهذا ليس من مصلحة الدولة والمواطن معاً.