كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أين تتواجد الليرة اليوم؟

زياد غصن– خاص فينكس:
في الحديث عن سعر الصرف يتم التركيز دوماً على كميات القطع الأجنبي المتاحة في السوق المحلية، من حيث الطلب الداخلي وأسبابه، والعرض المتوفر من ذلك القطع والعوامل المؤثرة فيه.
وقليلاً جداً ما يتم تناول موضوع السيولة النقدية الموجودة في السوق المحلية بالليرة السورية، رغم أنها الأكثر تأثيراً في واقع سعر الصرف، وهذا أمر تلحظه جميع دول العالم في مقاربتها لمتغيرات سعر صرف عملتها، منطلقة من حقيقة راسخة وهي أن أي عملة أجنبية خارج بلادها هي مجرد سلعة يخضع سعرها للعرض والطلب.
وهذا أيضاً ما عملت على جانب منه اللجنة المشكلة مؤخراً في المصرف المركزي والمكلفة بمهمة معالجة تطورات سعر الصرف، حيث اتخذت جملة قرارات لضبط حركة السيولة النقدية داخل البلاد.
إنما لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله في ملف السيولة النقدية، وتحديداً لجهة تواجدها الجغرافي، حركتها، واكتنازها.
بتفصيل أكثر...
من دون أدنى شك، فإنه لدى المصرف المركزي بيانات دقيقة عن حجم الكتلة النقدية المطروحة للتداول، سواء الموجودة في الجهاز المصرفي أو خارجه، وهذه بيانات يفترض أنها عادية بالنظر إلى أن طباعة وطرح وسحب مختلف الفئات النقدية هو من مسؤولية ومهام المصرف المركزي.
لكن يا ترى... هل لدى المصرف المركزي بيانات حول حجم السيولة المتداولة فعلاً خارج الجهاز المصرفي وتلك الموجودة في المنازل كمدخرات؟ أو هل لديه تقديرات عن حجم الفئات النقدية الموجودة داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة وتلك التي لاتزال تحت سيطرة مجموعات وميليشيات مسلحة؟ وماذا عن حجم العملة السورية التي هربت إلى الخارج وأين مركزها الأساسي؟
ليس لدي ما يمكنني من الإجابة على الأسئلة الثلاثة السابقة، فالمصرف المركزي وحده القادر على تقديم إجابات وافية، حتى وإن كانت إجاباته ممهورة بخاتم "السرية".. وهو أمر نتفهمه في هذه الظروف، فالمهم هو أن هناك إجابات موضوعية يمكن البناء عليها في وضع سياسات وإجراءات تقارب المعطيات المتوفرة لدى المصرف المركزي.
ومع ذلك، واستناداً إلى ما جرى تداوله رسمياً سابقاً من قيام جهات خارجية بطرح كميات من العملة السورية بغية التأثير في سعر صرفها، والمعلومات المتداولة عن وجود كميات ليست بالقليلة من العملة الوطنية في المناطق التي لاتزال خارج السيطرة، فإنه من الضروري التنبه إلى خطورة ذلك، لاسيما إذا كانت بعض الكميات مخزنة للطرح بشكل مفاجئ، مثلاً، وفي وقت ما...!
لذلك أعتقد أن هناك حاجة لبعض الإجراءات التي من شأنها سحب جزء من الكتلة النقدية الموجودة في المناطق المشار إليها سابقاً، وتالياً إحباط أي سيناريوهات معدة مسبقا أو مفاجئة للتأثير في سعر الصرف.
ولعل أحد أهم الاقتراحات التي يمكن للمصرف المركزي دراستها تتعلق بإمكانية إلغاء الفئات النقدية القديمة وسحبها من التداول عبر منح مهلة زمنية محددة لاستبدالها، إذ يلاحظ أن هذه الفئات لاسيما ذات القيمة الكبيرة محدودة التداول حالياً (فئة الـ500 و1000 ليرة)... والسؤال هنا: هل السبب في قلة تلك الفئات أن المصرف المركزي يقوم بسحبها تدريجيا من الأسواق؟ أم أن هناك أسباب أخرى خارجة عن إرادة المصرف؟
على أي حال، وأياً كانت الإجابة، فإن التوجه نحو إلغاء الفئات النقدية القديمة وفق خطة محددة من شأنه السماح للمصرف المركزي استعادة جزء من الكتلة الموجودة خارجا، والوقوف بشكل تقديري على حجم الكتلة النقدية الموجودة إما في منازل المواطنين كمدخرات، أو في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، أو في بعض الدول المجاورة كتركيا ولبنان وغيرهما... وأعتقد أن هذه بيانات ومعلومات لا تقدر بثمن حالياً تمكن الحكومة والمركزي من بناء سياسة اقتصادية ونقدية فعالة خلال المرحلة القادمة.