كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

غاندي والمرأة

مروان حبش- فينكس

 حارب غاندي استبداد الهنود بعضهم بعضاً، ولا يبالي إن غضب رجال الدين، أو رجال التقاليد غير الصالحة، في بلاده، حين ينشد المساواة والحرية. وكان من برنامجه الإصلاحي تعميم المساواة التامة بين الرجل والمرأة، ولقد خصَّ المرأة بعناية وطالب بتحريرها.
يقول غاندي: (إنني أؤمن إيماناً عميقاً بأن إنقاذ الهند يتوقف على نوعية وتثقيف نسائها... ومن أجل نساء الهند اللواتي لا يملكن شيئاً من متاع الدنيا سأطوف الهند بعجلتي الدائرة وكأسي المستعطي).
لم يكن غاندي مناضلاً سياسياً يعني بتحرير بلاده فحسب بل كان مصلحاً اجتماعياً، وكانت روحه الثائرة تأبى أن يطوق الظلم والعبودية أعناق النساء، وكان شديد الإيمان بأن المرأة إنسان وليست متاعاً كسائر الحاجيات، وآمن غاندي الثائر بأن بلاده لن تحرز تقدماً حقيقياً ما لم تنصف المضطهدين، وبخاصة النساء، وتحررهن من القمع والاستبداد وتفتح طريق التقدم أمامهن، وجعل المرأة شريكاً مساوياً للرجل، وشنَّ حرباً شعواء متعددة الجوانب على زواج الأطفال ونظام الصداق والظلم الاجتماعي للنساء المترملات واستنكر تقليد نذر البنات للمعابد وكافحه بقوة(1). وقال ثائراً: إن استعبادنا للنساء هو رمز بربريتنا، وإن اعتبارهن مجرد دمى خادمات في المطبخ، لهو من مخلفات بقايا البربرية، وقد حان الوقت ليتحررن من ربقة هذا الكابوس). ولم يساوم في مسألة حقوق المرأة، ويحذر من إلزامها بالعمل في ظل عجز قانوني، وأعلن عن آرائه بضرورة نبذ التقاليد المهترئة التي تحط من شأنها.
ناضل غاندي ضد الآفات الاجتماعية ودافع عن زواج المترملات، وقال: (إن لكل أرملة حق الزواج كأي رجل مترمل، وإن فرض الترمل على الفتيات لهو جريمة وحشية، وإن الترمل الذي يفرضه الدين أو التقاليد لهو ضرب من العبودية لا يحتمل). ونصح الشباب أن يقسموا على التزوج منهن فقط لينقذوهن من حياة الظلام والشقاء. كما استنكر بشدة عادة قتل المرأة لدى وفاة الزوج، وقال: (إن التضحية بالنفس عند موت الزوج ليدل على جهل مبين).
لقد دعا إلى إلغاء نظام الصداق كيلا يبقى الزواج موضوعاً متعلقاً بالمال، وحثَّ الشباب والفتيات على الثورة ضد هذا النظام الفاسد، وقال: (إن الصداق في الهند متصل بصورة وثيقة بنظام الطبقات، وعلى الذكور والإناث وذويهم أن يكسروا هذا الطوق إذا أريد للشر أن يُقطع دابره). وكان يحث الآباء أن يعلموا بناتهن رفض الزواج من شاب يريد ثمناً لزواجه، ومن رأيه أن الشروط المشرفة الوحيدة للزواج هي الحب والتفاهم المتبادلين. ومما كان يؤلمه شقاء ومعاناة بنات الهوى، وأنهن يمثلن عار الرجال، وكان في ثورة دائمة ضد عادة تكريس البنات القاصرات لأهداف غير أخلاقية.
استنكر غاندي بقوة فرض الحجاب على النساء، وأن العادة الصارمة التي تقضي فصل النساء بستارة تؤلم المشاعر، وطالب النضال ضده، كعنصر من عناصر تحرير المرأة، وقال: (إن ديانتي ليست ديانة السجون، وإن فيها متسعاً لجميع العباد).
لقد ساعد نضالُ غاندي الطويل والمستمر النساءَ على كسر القيود التي كانت تطوق أرواحهن، فخرجن من خلف الحجاب إلى الفضاء الرحب، والفرص الواسعة، وأصبحن شريكات للرجال من أجل الاستقلال والتقدم الاجتماعي ووقفن مع الرجال جنباً إلى جنب حملة المقاومة السلبية. وكانت آراؤه دوماً تدعو إلى المساواة في الفرص، وهذا يتطلب توفير الوسائل التي تساعد المرأة لتتحمل مسؤولياتها الجسيمة ولتتحرر من عقدة النقص المتمثلة في الشعور بكونها من الجنس الأضعف، وأن تُهيئ نفسها ليكون لها دور باستلام المناصب العليا التي تنتظرها.
لقد آمن غاندي بأن المرأة شريك للرجل مساو له، وبذلك تقول مساعدته "راجكو ماري" التي عملت معه سنوات طويلة: (إن ما يجذبني إلى غاندي رغبته في ضم النساء إلى جيشه المسالم وإيمانه بهن).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)كان بعض الآباء المتدينين في الهند ينذر إحدى بناتهن للخدمة في أحد المعابد، فإذا بلغت المنذورة البائسة سن الثامنة أو التاسعة حُملت إلى المعبد حيث تعيش في خدمة رجال الدين البراهمة، وهي هناك تؤدي دور البغي لخدمة رجال المعبد ولسائر الناس، فإذا ذوى جمالها في الثلاثين أو الخامسة والثلاثين تُجبر على ترك المعبد وتصبح بغياً عامة في الحي الخاص بهؤلاء البائسات في إحدى المدن.