كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

إسرائيل.. عناصر القوة والضعف!

د. عبد الوهاب أسعد

قبل البدء بتفنيد عناصر قوة وضعف إسرائيل أودّ هنا التذكير ببنية المجتمع الإسرائيلي. إسرائيل قائمة على تجميع أتباع الديانة اليهودية من دول وشعوب العالم. واليهود كما المسيحيين والمسلمين وأتباع الديانات الإنسانية من شعوب مختلفة، وبالطبع منهم عرب يهود وبكمية لا يستهان بها. ولذلك من الخطأ الفظيع القاتل الخلط ما بين اليهود وما بين الصهاينة. والعرب اليهود الذين هجروا أو هاجروا من الدول العربية مازال قسم منهم يحن إلى وطنه، وكثير منهم هاجروا إلى الغرب ورفضوا العيش في إسرائيل. ولذلك فالعرب اليهود هم من أهلنا!
قبل حوالي العشرين سنة شاهدت ريبورتاجاً مصوراً على محطة الـ ARTE الألمانية الفرنسية يحكي قصة عرب يهود هجروا سنة ١٩٤٨ من العراق بتآمر وخيانة نوري السعيد. بعض منهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي. وبالطبع إنقطعت أخبارهم عن رفاقهم العراقيين المسلمين. وفي التسعينات أصبح أحد أبناء الشيوعيين العراقيين مخرجاً سينمائياً، كانت وصية والده البحث عن رفاقه العراقيين اليهود ومعرفة أخبارهم وأحوالهم. قام المخرج العراقي بزيارة إسرائيل وعمل ريبورتاجاً مصوراً دام حوالي الثلاث ساعات. إلتقى رفاق والده كانوا ثلاثة أساتذة جامعات. قال أحدهم بأنه بكى لما شاهد في التلفزيون دبابة أمريكية تجتاز جسر دجلة في بغداد، حيث أنه على هذا الجسر عقد أول لقاء غرامي مع حبيبته. ومواضيع أخرى متعددة يضيق المجال لسردها.
وبرأيي أهم لقاء أجراه المخرج كان مع الرئيس السابق للمحكمة العليا في إسرائيل والذي روى الحادثة التالية: (إعتقل الأمن الإسرا ئيلي إمرأة شابة فلسطينية حامل في شهرها التاسع. وبسبب الخوف الذي إنتابها بدأ مغص وآلام الولادة يشتد عليها. كانت المرأة الشابة مقيدة اليدين بسلاسل حديدية. أطلقت نداءات عديدة لفك قيودها ريثما تنتهي الولادة. رفض المحتلون توسلاتها. وهكذا وهي مقيدة اليدين وضعت وليدها على أحد الحواجز في الضفة الغربية! قال كبير القضاة معقباً: هذه الحادثة سوف تنهي إسرائيل ).
نعود إلى الموضوع الأساسي لذكر عناصر القوة والضعف. أهم عناصر القوة:
أولاً، إسرائيل متطورة علمياً تكنولوجياً وصناعياً، وهي من الدول الخمسة الأولى في العالم في نشر الأبحاث العلمية.
ثانياً، إسرائيل دولة تديرها مؤسسات، نظام الحكم فيها ديمقراطي برلماني، والكلمة العليا للقضاء (في الشهور الأخيرة حاول نتنياهو تجاوز القضاء، فحصلت تظاهرات عنيفة، وبإعتقادي لن يتمكن من إنجاز ما يرمي إليه).
ثالثاً، في الغرب الأوروبي والأمريكي ومنذ عدة قرون تسود مقولة (لا تتحقق رفاهية الغرب إلا من حساب تعاسة الشرق)، ولهذا السبب نشأت مصالح مشتركة متبادلة ما بين الغرب وإسرائيل، وحظيت بدعم لا مثيل له.
رابعاً، تفاهة أنظمة الحكم العربية (لا أودّ هنا الزيادة)، وسعي معظمها للتعاون مع إسرائيل.
قبل الحديث عن عناصر الضعف نأتي إلى ذكر حادثتين. أدرك إسحق رابين وشريكه في الحكم شمعون بيريز أن إسرا ئيل في أوج قوتها ولم يعد بإمكانها التوسع والإستمرار بمواجهة المقاومات المتصاعدة، وأن الزمن قد حان لعقد الصلح مع الجيران، فقام اليمين المتطرف بقتله وإنتهت محاولات الصلح.
وقبل أيام صرح البروفيسور الإسرائيلي موشيه تسيمرمان بأن الحل هو في التصالح مع الفلسطينيين وإقامة دولتهم، وعلى اليسار الإسرائيلي السعي لذلك، وإلا سوف يستمر العنف المتبادل والدمار!
ومن أهم عناصر الضعف:
أولاً، الصهيونية والعنصرية الإسرائيلية المفرطة في التطرف، وسيطرة أحزاب اليمين المتطرفة وخصوصاً الأحزاب التي يكونها ويدعمها المحتلون في الضفة الغربية. نظام التفرقة العنصرية من أكبر نقاط ضعف إسرائيل (مقالة كبير قضاة إسرائيل).
ثانياً، ونتيجة للعنصرية والظلم والقهر الناشيء عنها، نتجت المقاومات وأصبحت أكثر فاعلية من جميع الأنظمة العربية مجتمعة.
ثالثاً، المنافسة ما بين القوى الإقليمية الصاعدة على توسيع دائرة النفوذ والسيطرة على الإقليم. وفشل عمليات التطبيع مع الدول العربية.
رابعاً، من بعد سقوط الإتحاد السوڤييتي وتحطيم الغرب للكتلة الشيوعية، رفع الغرب الحظر على علوم الكومبيوتر، وإنتشر العلم في أصقاع الأرض ولم يعد الغرب بإمكانه إحتكار العلم، وهذا ما أدى إلى تطور علمي تكنولوجي في كل بلد يسعى إليه. وهذا ما أصبح واضحاً جلياً من خلال سير العمليات الحربية الأخيرة، والتي أثبتت جدارة الطرفين في إستخدام الوسائل العلمية المتطورة. لم يعد التفوق العلمي التكنولوجي محصوراً في طرف واحد.
أعتقد بأن نتائج هذه الحرب سوف تؤثر بالمجتمع الإسرا ئيلي بشكل جذري!