كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

روجيه غارودي- محاكمة الحرية.. 2 من 2

مروان حبش- فينكس

رغم وصف الصحافة الفرنسية والغربية لغارودي، بالفيلسوف المعادي للسامية، فإنه لم ينكر حقيقةً المحرقة، ولم يتبنَّ الدعاية النازية، بل أقر بحجم المأساة اليهودية وبحرب الإبادة النازية ضد اليهود، وأراد أن يبيّن أن النازية من حيث هي نزعة عنصرية استعمارية لم تستهدف اليهود وحدهم، وإنما استهدفت شعوباً وقوميات أخرى، وإن أحداث المحرقة ضُخمت وأعطيت أبعاداً أسطورية غير تاريخية من أجل توظيفها في صراعات الحاضر، وإن المأساة اليهودية التي تمت بالكامل على المسرح الأوروبي وُظِفت لحجب حروب الإبادة وجرائم التقتيل والتهجير القسري التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
وبعدما نفى غارودي احتقاره للديانة اليهودية ومعاداتها، انتقل أمام القضاة إلى توضيح أهداف كتابه، كالتالي: نقد الصهيونية كحركة قومية واستعمارية، التنديد بكل الذرائع الخاطئة سواء أكانت إلهية أو تاريخية، والاستغلال السياسي والمالي لكل الخرافات المضخمة.أ مروان حبش
علق غارودي بشيء من التفصيل على بعض التهم، وفيما يخص قضية غرف الغاز فإنه يدعو إلى فتح نقاش علمي بين المختصين، كما يشير إلى قانون "غيسو" وخطورته على حق البحث والنقد التاريخي، ويندد بسياسة إسرائيل البلد الوحيد الذي ما زال يحافظ على نظام الأبارتايد في المنطقة، وفي السياق نفسه يحذر من الدعاية الصهيونية الموشكة على خلق موجة مناهضة للسامية في العالم بأسره، لهذه الأسباب، قال: (كان استنكارنا للصهيونية جزءاً لا يتجزأ من نضالنا ضد اللاسامية).
بالنسبــة لشهود الادعاء، رأى غارودي أن أداءهم يشبه كثيراً أداء السينمائيين في ممارستهــم للتزوير والتلفيق والتشويه و في هذا الإطار قام بالكشف عن تناقضات تصريحاتهم وهشاشتهــا، ليخلص في النهاية إلى التحسر على الإهانة التي تلقتها فرنسا – بلده – جراء تلاعب القوى الأجنبية بها. فمن غير المعقول أن يلقى الكتاب كل الدعم في أنحاء واسعة من العالم، وقد ترجم الى 29 لغة آخرها اللغة الرومانية، وأعدت عنه 22 أطروحة وكتب عنه 54 كتاباً، وذلك يعني أن فكره لا يخص فرنسا فقط بل العالم بأكمله، بينما يحاكم في فرنسا بلد الحريات والتعددية، وهي لا تخرج عن محاكمة النوايا والمشاعر وسوء فهم الآخر.
وبثقة الفيلسوف والمناضل الضليع ختم غارودي أمام قاضي المحكمة، كلمته مؤكداً دعوته إلى الحريـــة و السلم التــي ناضل طوال حياته من أجل إرسائـهما إلى حد التضحية والمخاطرة، ليترك القاضي أمام سؤال رئيسي ينتظر الحل: من هو المذنب؟ هل من يرتكب الجريمة أو الذي يندد بها؟ من هو المذنب؟ هل من يندد بالجريمة أو من يحاول تكميمه؟
مرافعــة الأستــاذ جـاك فيرجاس
كــان تدخــل محامي غارودي الأستــاذ فيرجاس يتعلق بانتقاد قانون "غيسو" الذي وُضِع، لخدمة فئة معينة وإقصاء كل الآخرين ضحايا المجازر والجرائم المختلفة نتيجة العبوديــة أو الحـروب أو بسبــب الاضطهاد الدينــي والعرقــي، ويورد المحامي مجموعــــة من الأمثلــة تثبت ذلك، وبهذه الصيغة يكــون هذا القانون قد جرد مفهوم الإنسانية وحدده داخل قومية وديانة اسمها اليهودية فقط. ووصف المحامــــي هذا القانون بالفــاشية لأنه يذهب إلى أبعد الحدود في تجريـم من يمـــارس حق النقــد والبحث، ويقول: إن خطورة هذا القانون دفعت بالكثير من الوجوه السياسية و الفكرية داخل البرلمان و خارجه للاعتراض عليه و اعتبرته انحرافاً قانونياً.
وتســاءل عن وجود الكثير من الباحثيـن شككــوا في قضيــة المحـــرقة، وغــرف الغـاز، وكذلك في أرقام الضحايا ومع ذلك فهم آمنون، بينمـا جُرم و هُدد غارودي عندما تساءل فقط، عن وقائع و سياسات أصولية. إن الكاتب في نظر (ليكرا (LICRAله عيبان : فهو فرنسي، ومنبع التجريم ليس في طرحه للتساؤلات حول أرقــام الضحايــا، وإنما في نقده للدولة الإسرائيلية القائمة علــى الخرافة و الأساطير، وسياستها العنصرية داخل فلسطين كشفت زيف ما تدعيــه من انفرادهــا بالديموقراطيــة في المنطقة.
وحـذر فيرجاس: إن الموافقــة علـى ما تطلبه ليكراLICRA هو خطوة في اختــــراق فرنســا لحقوق الإنسـان ومبادئ الحريـــة و البحث العلمــي. إنهم ينتظرون الإقرار بالقمــع والتجريم وشن حملة ضد العقــل والنقد في فرنسا حتى يجعلوا منها أضحوكة فيما بينهم.
أدانت المحكمة الفرنسية غارودي بتهمة التشكيك في محرقة اليهود، حيث شكّك في الأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا في غرف الغاز على أيدي النازيين، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ.
إن التحـدي الذي طرحه غارودي أمام هذه المنظمات هو الـحوار والنقاش العلمي والتحول من أسلوب التسليم إلى أسلوب المراجعـة للتاريــخ تماماً، كما وضعا غاليلي وأنشتاين التحدي في إثبات بطلان المسلمات المتعلقة بالكون. غير أن "ليكرا" تعترض و تدعي أن هذا أسلوبــاً عنصريـاً ومعــاد للسامية لأنه يهضم حقوق اليهود و ينفي الجرائم الواقعة عليهم، و في المقابل تغض الطرف عــن السيـاسة الإسرائيليـة و نتائجها على الشعب الفلسطيني ممثلة في المجازر واحتلال أراضي الدول المجاورة و سياسة الإبعاد والتعذيب.
واصل غارودي تحذيره من خطر توسع الحركة القومية الصهيونية في أرجاء أوروبا وأمريكـا، والسيطرة التي تضربها على وسائل الإعلام، و ممارستها لكل أنواع الإرهاب و القمع لكل من يشير من قريب أو بعيد إلى المراجعة التاريخية، أو نقد السياسة الإسرائيلية الراهنة، وكان طموح اللوبي الصهيوني في هذه المحاكمة بأن يأخذ تزكية بقرار قضائي ضد غارودي.
فـي آخر تصريح له، أعـاد غارودي التذكير بخطورة مرض العصر الذي أصيبت به الإنسانية وهو الأصوليات، و قد كرس حياته لمحاربة هذا النوع من الأمراض و ما تطرحــــه من كذب وتزوير و تأويل، وتحمَّل من أجل ذلك كل أنواع التهديد والطرد والمتابعة.
كان الأمر عادياً في نقده الأصولية المسيحيـــة و الإسلاميــة، غير أن الأمــر أخذ مجرى آخر عند نقده الأصوليـة اليهوديـة و كانت نتيجتها اللجوء إلى القضاء تحت ضغط اللوبي الصهيوني المتجذر في فرنسا.
مروان حبش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظات
ولد غارودي في مارسيليا 17 يوليو1913، لأم كاثوليكية وأب ملحد. اعتنق البروتستانتية وهو في سن الرابعة عشرة، ورحل عن عالمنا في 13يونيو عام 2012 عن عمر يناهز الـ 99 عاماً.
حصل بسبب تفوقه على منح الدولة في جميع مراحل التعليم، ودرس في كل من جامعة مرسيليا وجامعة "إيكس أون بروفانس"، ونال درجة الدكتوراه عن النظرية المادية في المعرفة من جامعة السوربون بباريس عام 1953، ودكتوراه ثانية من جامعة موسكو عام 1954. وعُيِّن أستاذاً للفلسفة في مدرسة الليسيه من ألبي.
عمل بالسياسية حيث أنه خلال الحرب العالمية الثانية أُخذ كأسير حرب لفرنسا الفيشية فى الجلفة بالجزائر بين 1940 و1942.
فى عام 1945 انتخب نائباً في البرلمان، كما أنه طرد من الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1970م وذلك لانتقاداته المستمرة للاتحاد السوفيتي، وفى السنة نفسها أسس مركز الدراسات والبحوث الماركسية وبقى مديراً له لمدة عشر سنوات.
عضو الجمعية الوطنية للجمهورية الفرنسية الرابعة 1945 ونال عضوية مجلس الشيوخ 1946-1960.
في الفترة الأخيرة، ارتد عن الإسلام بتصريحه أنه لم يترك المسيحية ولا الشيوعية، حيث دعا إلى توحيد الأديان في دين جديد، يسميه إبراهيميا، فأقر علماء المسلمين ارتداده و قالوا إنه كان منافقاً، بعد أن كانوا قد رحبوا به يوم إسلامه.
لقد توصل المهندس لوشتر بعد بحث مضن استمر عدة سنوات أن معسكرات الاعتقال في أوشفيتز وميدانيك، وهي المعسكرات المفترض أن اليهود أحرقوا فيها- خالية من أية رواسب غازية أو كيميائية و مخلفات بشرية محروقة.
ولأن السوفييت هم أنفسهم الذين حرروا معسكر أوشفيتز قالوا أيضاً بأن هناك 4 ملايين قتيل، وقد تم تسجيل ذلك أيضاً. ومنذ ذلك الحين اكد جميع المؤرخين الذين اشتغلوا على هذه المسألة بأن الارقام لا تعتمد على اسس علمية جادة، وقد انخفضت تلك الارقام بشكل متواصل إلى اللحظة التي قال "بيناريدا" مدير مركز البحث العلمي ومدير مركز التاريخ المعاصر بأن المصادر الوثيقة تحصر عدد الموتى بمليون شخص، وما نفاه أيضاً، هو مصطلح الـ (هولوكوست) لأن هذه الكلمة لها معنى لاهوتي هو عبارة عن تضحية تقوم بها من أجل الله.