كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الصعود الهبوط للحركتين الوطنية والقومية العربية

د. عبد الله حنا- فينكس:

هل من سبيل إلى نهوض جديد للعرب في ظل الأوضاع الراهنة؟..
لا شك أن عوامل الكبح والاستبداد والتخلف والظلام لا تزال تنيخ بكلكلها على المجتمعات العربية المشوّهة بحُقَن البترو دولار والركض وراء الأصفر الرنان وسيادة الذهنية الاستهلاكية. وفي رأينا إن التكاثر السكاني العشوائي يبتلع كل إمكانية للتنمية ويدفع بالملايين من الشباب إلى مهاوي الفقر والبطالة والأعمال الهامشية أو الطفيلية أو غير المنتجة.
الموروث التاريخي المملوكي والعثملّي سيكون، كما في السابق، أحد أسلحة قوى التخلف والظلام والتحجر لمنع التقدم والرقي، و لحصر الجوانب المضيئة والمشرقة في تراثنا العربي الإسلامي في الزوايا المهملة.
أملٌ ينيرُ الطريق وسط دياجير الظلام. إنه الأمل في العودة إلى قلاع العقلانية، التي أسهمت في إشراق شمس الحضارة العربية الإسلامية في القرون الهجرية الأولى.
إنه الأمل باتخاذ العلم سبيلاً للتطور، والعلم لا يأتي مع غيوم السماء كالمطر، بل هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً باستخدام العقل والتجربة والمنطق، واحترام العلم والثقافة، ومعرفة قوانين الطبيعة واستخدامها لصالحه.
إنه الأمل برفع راية مناهضة الاستبداد بكل أشكاله وألوانه..
إنه الأمل بانتصار الديموقراطية على مستغلي المجتمع والدولة..
إنه الأمل بإقامة الدولة العربية الحديثة على أسس القوانين الوضعية واعتبار البشر مواطنين لا رعايا.. مواطنون يساوي القانون بينهم بعيداً عن العشائرية والطائفية والمذهبية وهي من مخلفات ما قبل الرأسمالية.
إنه الأمل بعودة الروح الكفاحية لدى الجماهير.
إنه الأمل بوحدة أبناء العروبة وإقامة دولتهم الديموقراطية الموحدة أو الاتحادية، التي يجري فيها توزيع الثروات وفق مبدأ إنتاج الفرد وعطائه، فلكل حسب ما يقدمه للمجتمع، وليس حسب انتمائه المذهبي أو الطائفي والعشائري، أو ولائه الحزبي والمقدرة على التسبيح بحمد السلطان.
إنه الأمل بانتصار الإنسانية على أعدائها..
هل هذا حلم؟
فإلى جبهة عربية نهضوية تضم بين جناحيها أنصار التنوير الديني والتحرر والديموقراطية والتقدم، للوقوف في وجه وحوش الإمبريالية والصهيونية الباغية والطغاة من كل شاكلة ولون.
***
إن خصوصية العالم الإسلامي حالياً تكمن في أنه أحد العُقَد، بل العُقدة الرئيسية في الخطر على نظام التبعية العالمي، وذلك بحكم أرصدته العقائدية وموقعه الاستراتيجي وبحكم إمكانياته الهائلة...
أرى أن "المقاومة الإسلامية" اليوم والحركات الإسلامية بعامة من أفغانستان حتى المغرب العربي، الذي سمّوه "المغرب الإسلامي"، هي شكل آخر لحركات التحرر الوطني والقومي في القرن العشرين. ولكن الطابع العنفي للأجنحة المتطرفة لهذه الحركات هي من بعض جوانبها ردّ فعل على سياسة الرأسمالية البربرية، التي أعقبت الرأسماليات السابقة: الرأسمالية الثورية.. الرأسمالية الكولونيالية.. الرأسمالية الإمبريالية. بمعنى آخر: إن الرأسمالية البربرية اليوم، تسهم أيضاً بوعي أو لا وعي في شحن الكره وتبرير قتل الآخرين للمجموعات المتطرفة في عالم الأطراف. وهي مسؤولة أيضاً عن ردود الفعل العُنفية وتفجير الإنسان لنفسه، أو تفجير سيارة ملغومة في جَمْعٍ من الناس لا حول لهم ولا قوة... وهؤلاء "المفجرون" يتناسون الآية الكريمة "ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق".
ونحن كورثة للتراث العربي الإسلامي بجوانبه الإنسانية والمستنيرة والمنعتقة من إسار الجمود والتحجّر والتزمّت والتعصّب، نقف في وجه الطغيان الإمبريالي الأميركي من جهة، ونُدين الاتجاهات المتطرفة في الحركات الإسلامية أو بالأصح الاسلاموية، وندعو إلى أشكال جديدة من النضال ضد الطغيان تنهل من التراث الإنساني العالمي، وتستند إلى الجوانب المضيئة من التحركات لبثورية، التي شهدها التاريخ العربي الإسلامي. آخذين بعين الاعتبار الأوضاع العالمية وعدم القطيعة مع القوى الثورية في العالم..
أليس من واجب القوى العربية الحيّة النيّرة توضيح أن معركتنا مع الإمبريالية الأميركية وحليفتها الصهيونية العدوانية هي أبعد من أن تكون، كما يعلن الاسلامويون، معركة بين الشرك والإيمان، أو هي استمرار للحروب الصليبية السابقة.
إنّ إغفال دور العوامل الاقتصادية في معارك التاريخ، بما فيها المعارك الحالية يجعلنا نبتعد عن الأسباب الحقيقية للعدوانية الاستعمارية الأميركية، وهذا ليس في صالح معركتنا العادلة، بل تحريفٌ لها وخدمة لطغاة الرأسمال البربري الإمبريالي.
***
"نحن محكومون بالأمل".. وباعتقادي أن الأمل، الذي نَشَدهُ سعد الله ونوس علينا أن نضعه في الإطار التاريخي لتطور البشرية، الذي يشهد الانتكاسات والتراجعات، وأحيانا الكوارث، ولكنه يسير، على الرغم من المحن صُعداً نحو الأعلى، نحو الخير والتقدم، نحو انتصار الأنوار على الظلمات ونحو تحقيق السعادة لسائر بني البشر. أليس "الخلق كلهم عيال الله"؟..
وفي رأينا إن الإمكانية متوفرة لبناء مجتمعات (أو مجتمع) عربية بشرط أن تسودُها العقلانية والديموقراطية والعمل لخير الجميع، واحترام مبدأ الجهد والكفاءة والمقدرة العلمية , وليس الولاء والتزلف وما شابه... كما لا بد لمواكبة العصر من وضع أسس مجتمع يطرح جانباً مشاعر الولاءات العشائرية والطائفية ليحل محلها الولاء للوطن والإخلاص للأمة ووحدتها.
إنه الأمل في الانتصار على الظلمات في كفاح أمتنا على ظالميها.