كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عن جرائم الخطف.. وعودة "عصر الفتوة"

أحمد حسن- فينكس

هذا كلام أغلبه مكرر –نُشر معظمه عام 2023 في هذا الموقع الكريم - لسبب بسيط يتمثّل بأن معظم ما نشهده من أحداث، رغم قسوتها الهائلة، هو أمر معاد ومكرر أيضاً وسيتكرر لاحقاً ما دمنا لا نواجه، ونعالج، أسبابه الحقيقية.
أمّا مناسبة "التكرار" فهي جرائم الخطف التي روّعت محافظة طرطوس بالتزامن، تقريباً، مع إعلان وزارة التربية عن عودة "عصر الفتوة"، ولو بتسمية أخرى، كحلّ لهذا الانفلات المدرسي الذي خرج عن كل حدّ معروف.
وبطبيعة الحال لا أختلف كثيراً مع من يتحدث عن تربيتنا، وبيتنا، وأخلاقنا، أي مجمل ما نحن عليه، باعتبارها مجتمعة، ومنفردة، شريكاً فاعلاً في جرائم الخطف أو جرائم التسيّب المدرسي، فنحن، كبشر، أبناء بيئتنا أولاً وأخيراً.
لكن نقطة الخلاف الرئيسية مع هؤلاء تتمثل بالإجابة على سؤال محدّد وهو كيف ولماذا وصلت تربيتنا، وبيئتنا، وأخلاقنا، إلى هذا الدرك المتدني؟ فـ"الجريمة" ليست أمراً جديداً وهي قديمة قدم البشرية ذاتها، وربما، إذا وضعنا جانباً قصة قابيل وهابيل لأسباب لا داعي لذكرها، فإنها -أي الجريمة- بدأت منذ اللحظة التي سوّر بها أحدهم قطعة أرض وقال هذه لي، ثم تعدّدت، لاحقاً، أسبابها ودواعيها بتعقّد الحياة البشرية وتنوعها، وهذا ليس موضوعنا الآن، لكن ما يعنينا قوله إن مجتمعنا ليس استثناء من ذلك، وقد شهد، مثله مثل غيره، سلسلة من الجرائم المتنوعة الأسباب والأهداف، وإن كنا اليوم نشهد ارتفاعاً في منسوبها وخطورتها ووحشيتها تزامناً وتساوقاً مع ارتفاع مستوى العنف العالمي وتوحّش "سادة" العالم في صراعهم على "الكعكعة" الاقتصادية المتناقصة باستمرار.
بالتالي، فإن إجابة البعض على السؤال السابق بـ"تحميلـنا"، جميعاً، المسؤولية عن الجريمة، هي ما يستحق الرد لأنها إجابة "مازوشية" تؤدي إلى محذورين -ولو كان الشخص ذاته غافلاً عنهما- الأول إبعاد النظر عن السبب الحقيقي وخاصة حين نتحدث عن غياب "أخلاقنا" وغياب "العصا" في التربية كسببين رئيسين للجريمة، وأما الثاني فهو، على ما أرى، تقديم نوع من العلاج النفسي التعويضي بصورة أو بأخرى، أي أننا اعترفنا بالجريمة وتحملناها وارتحنا، ثم لا شيء آخر أي لا حساب ولا عقاب، وهذا يقودنا إلى علاج زائف يشبه ما كان يفعله أحد الخلفاء الذي يقضي نهاره باللهو والظلم ثم يجلب أحد الفقهاء ليعظه أخلاقياً ويحذّره من عقاب الآخرة، والخليفة يبكي حتى يُغمى عليه من خشية الله، ثم يستيقظ بريئاً، كما ولدته أمه، نظيفاً من آثامه، ويعود إلى جبروته وكأن شيئاً لم يكن، لأنه لم يعالج السبب الحقيقي لظلمه وجرائمه.
من هنا نقول ليس غياب الأخلاق والقيم وحدهما من يقف خلف هذه الجرائم المروّعة قطعاً، فقد كان "الصحابة" وهم الرعيل الأول الذي عاش مع لحظة الوحي المقدسة بكل حمولتها الأخلاقية، وسمع مباشرة، من فم النبي، أوامر الإله ونواهيه، هم، وليس غيرهم، من خالف الرسول في حياته لأنه "يُهجر" مثلاً، وهم، وليس غيرهم، من انقلب على تعاليمه بعد موته، حتى أن معظم "العشرة المبشرين بالجنة" خاضوا ضد بعضهم، بغض النظر عن الأسباب، حرباً أهلية، كانت الأخلاق النبوية المقدّسة أول ضحاياها.
إذاً المشكلة بصورة عامة هي في مكان آخر، وتحديداً في أمرين محددين أولهما "اهتزاز" صورة وسلطة القانون الذي يُفترض أن يطبق على الجميع دون استثناء أو تحيّز، وثانيهما التردي الهائل في الوضع الاقتصادي الذي أدى لغياب شبه كامل للطبقة الوسطى -وهي الحامل الحقيقي لمشروع الدولة بكل ركائزه الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية- وانشطار المجتمع إلى طبقتين، طبقة عليا قليلة العدد، نسبة إلى عدد السكان -وقد وصل إليها العديد بوسائل ملتوية حاملاً معه "أخلاقه" الملتوية أيضاً-، وطبقة فقيرة مسحوقة وتضم الغالبية العظمى التي دُفعت لتبحث عن قوت يومها بكل الطرق الممكنة والتي تتخمها وسائل الإعلام بمشاهد الثراء الباذخ والفاجر القريبة منها والممنوعة عنها في الآن ذاته، وهنا وأمام هذين الأمرين، وكما تخبرنا كل الحالات التاريخية المماثلة، يتحوّل الجميع عائدين نحو "هوبز" حيث الإنسان ذئب أخيه الإنسان، وحيث النهب والقتل والسرقة والخطف وكل ما نراه الآن.
بكلمة أخرى نصبح في "اهتزاز" الأمر الأول وتعاظم الثاني و"فجوره" أمام شريعة الغاب حيث القوي يأكل الضعيف ويفترسه، وحينها يصبح حل المشاكل بالقوة لا بالحوار، وقطعاً ليس بالقانون والقضاء، وباستمرار هذا الغياب لمدة طويلة يتحول العنف من سلوك إلى ثقافة، وهنا المشكلة الكبرى وذلك بعض ما نعانيه اليوم من تبعات الحرب الكبرى التي تجري في أراضينا حيث يتضافر الوضع الاقتصادي السيء للغاية الذي دفع بالعنف إلى مداه بحثاً عن سبل للعيش، مع انتشار السلاح وانفلاته و"استسهال" العنف والقتل لتخرج علينا هذه الجرائم بصورتها البشعة.
وبالتأكيد فإن الرادع الأخلاقي والقيمي هو أمر هام للغاية، إلا أنه غير كاف كما تثبت تجارب البشرية كلها، وهذا ما تنبه إليه القدماء حين قالوا: "إن الله يزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن"، وبالتالي فإن حضور الدولة، وسلطة القانون، والوضع المعاشي المعقول الذي يخلق طبقة وسطى واسعة، هما مقدمتين ضروريتين لحضور الأخلاق، وبالتالي الاستقرار، في المجتمعات.
وهنا من المفيد التعريج على "عودة عصر الفتوة" بالقول إنّ هذا جزء من الحلّ ويبقى، وهذا الأجدى والأنفع، أن نعيد "عصر المدّرس" عبر منحه معاشاً لائقاً لا يضطره للدروس الخصوصية ونطبق القانون على الجميع دون استثناء، وأكرر دون استثناء، ثم نحصد النتائج.
خلاصة القول: الأسباب واضحة وعلاجها معروف، أمّا "تحميلنا" جميعاً المسؤولية أو الركون إلى حلول "الفتوة" أو مقولات مبتسرة مثل: "هذه بلاد كلها ملعونة بدم قديم"، ويقول أهلها أن أول دم سفك في الأرض، في الأرض كلها، حصل في "قاسيونها" حين قتل قابيل أخاه هابيل، فأقول: هذا كلام يجدر بنا استثماره سياحياً لا استخدامه رخصة للتعمية على الأسباب الحقيقية لما يحدث. 
الاتحاد العام لنقابات العمال يسعى لفتح اكتتابات السكن العمالي والشبابي المغلقة
فعلها المنتخب.. فهل تفعلها الحكومة؟
اغتيال "قادة الحرس الثوري الايراني" يأخذ المنطقة لمواجهة كبرى
د. جبور رئيس الرابطة العربية للقانون الدولي يخاطب قضاة محكمة العدل الدولية
هل أصبح الفساد ضرورة؟
اليمن قولاً وفعلاً.. كشف الحقائق
أسباب عديدة أدت الى توقّف العمل في معظم المشروعات الصغيرة والمتوسطة
لماذا نحتاج إلى مبادرة حول قانون الإعلام المرتقب..؟
السورية للتأمين ومشتركوها.. بين الربح الموعود والمردود المهدود..!
ماذا يتمنى السوريون في 2024؟
البطل في انتخابات مجالس المحافظات
الرهان الذي ولد خاسراً!
حزب البعث.. والمرحلة المفصلية..!
قراءة موضوعية في قرار حكومي جديد حول تشييد الأبنية: مجحف اجتماعياً واقتصادياً ولابد من تعديله
دلالات التفاعل مع اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث؟