حين شرب ماكرون "حليب السباع"
2023.04.13
أحمد حسن- فينكس:
"العالم المتشظّي" أو "العالم المفكّك" هو التعبير المستخدم حالياً لتوصيف الواقع الدولي الجديد في أوساط الخبراء الغربيين، والمقصود طبعاً هو فقدان الغرب سيطرته على بقيّة العالم.
الأدلة على ذلك لم تعد تحصى وآخرها، مثلاً، تصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد زيارته الأخيرة للصين حيث قال إنه لا ينبغي أن "تجر أوروبا إلى المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بشأن تايوان وموائمة الإيقاع الأمريكي"، وعلى الأوروبيين، وفقاً لماكرون، "الاستيقاظ والتفكير بمصالحهم".
قبل ذلك وفي عام 2003 رفض جاك شيراك في موقف ديغولي غزو العراق، لكن ولأن الوقت، السياسي الفعلي، كان لا زال مبكراً على التمرّد، ولأن شيراك لا يشبه ديغول بشيء -كان موظفاً فعلياً عند رجال مال شرق أوسطيين- وأمام الضغوط من الشركات الفرنسية الكبرى التي وجدت أنها ستخرج بـ"خفي حنين" من الكعكة العراقية، عاد للركوع أمام السيّد الأمريكي وقدّم له، كعربون على الخضوع، القرار الشهير (1559)، لكنه بذلك -وبعيداً عن نتائج القرار على المنطقة- أخرج فرنسا بالمحصلة من القدرة على الفعل والتأثير في الشرق الأوسط وهو إلى جانب أفريقيا كان آخر ما بقي لها لتمارس عليه نفوذ القوة الكبرى.
ماكرون ذاته حاول "الاستقلال" و"قيادة" أوروبا، مع ألمانيا، في مرة سابقة على زيارة الصين، ولكنه، كسواه، وقع في الفخ الأوكراني، ورغم محاولته الاستمرار في الاستقلالية إلا أنه عاد للانضباط في "الصف" الأمريكي ضد العدو الروسي الذي سيبتلع أوروبا كلها في استعادة كئيبة لتاريخ سابق من الروسوفوبيا القاتلة.
بيد أن الانعكاسات الاقتصادية المدمّرة لهذه الحرب أعادته إلى طريق التمرد بعد أن لمس، عبر شوارع باريس المتفجّرة، أبعادها المدمّرة على بلاده وعلى مستقبله السياسي الشخصي، وجاء قرار واشنطن بالمواجهة النهائية مع الصين ليدفعه نحو "شرب حليب السباع"، فالرجل ممثل حقيقي للشركات الفرنسية التي وجدت هذه المرة أنها لا تستطيع الفكاك من الصين التي امتدت خطوطها الاقتصادية إلى كل مكان، وهنا تحديداً كانت قصة نجاح بكين الكبرى في إعادة تدوير مقولة "كلينتون" الشهيرة: "إنه الاقتصاد يا غبي".
لكن السؤال الأهم بعد هذه الفورة الماكرونية هو: ما هي مدة مفعول "حليب السباع" هذا؟ وهل يستطيع ماكرون، وفرنسا بأسرها، الإفلات من المظلة الأمريكية التي توفر الحماية لأوروبا كلها والتي هدّد مارك روبيو، السيناتور الأمريكي الجمهوري الذي لا يتحدث بلسانه فقط، بنزعها عن أوروبا وتركها "تتعامل مع الأزمة الأوكرانية بمفردها والتركيز على قضية تايوان" مذكّراً ماكرون بأن "الاتحاد الأوروبي وفرنسا كانا يعتمدان بشدة على الولايات المتحدة للدفاع عن أنفسهما في السنوات الأخيرة"، وحتى حينما قررت باريس إرسال قوات إلى دول شمال إفريقيا لمحاربة الإرهاب، لم يتمكنوا من إرسالها بمفردهم، كما قال "روبيو" مضيفاً: "كان علينا نقلهم إلى هناك وإعادتهم".
عام 2012 وصف المدير العام الأسبق لصندوق النقد الدولي، دومينيك ستروس-كان، أوروبا بأنها عوامة على وشك الغرق.
عام 2023 يبدو أنها تغرق ليس فقط لأن "قباطنتها" ليسوا على مستوى المسؤولية بل وهذا الأهم لأن دروس التاريخ حول أسباب صعود وسقوط القوى العظمى لا تُقرأ جيداً.