كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بوتين –شي- بايدن بين الواقع والقراءات "الرغبوية"

أحمد حسن- فينكس:

هؤلاء الثلاثة هم من يرسم ملامح عالم الغد، البقية "كومبارس". لكن مقاديرهم مختلفة. فإذا كان الثاني "يتمتع" بمدّة دستورية جديدة في حكم بلاده لخمس سنوات أخرى، فإن العام القادم سيشهد نهاية ولاية الأول والثالث، بيد أن ذلك ليس نهاية طريقهما، فنظرياً لدى "بايدن" إمكانية الفوز بولاية جديدة. بوتين أيضاً لكن لولايتين جديدتين بحسب آخر تعديل على الدستور. الحرب الأوكرانية ونتائجها تبدو حاسمة في مصيرهما وخاصة بالنسبة إلى بوتين لأن بايدن لديه مسائل داخلية وحاسمة أخرى.
ما سبق كلّه كلام في الدستور ومواده، لكن الواقع مختلف، وهذا "الواقع" تفنّده تحليلات مختلفة بعضها واقعي وموضوعي، وبعضها "رغبوي" بالكامل، وبالطبع يمكن، في هذا السياق، القول مع من قالوا أن زيارة "شي" إلى "بوتين" تبدو كثأر من زيارة "ماو" إلى "ستالين"، أي ليرد الصفعة التاريخية التي وجهها هذا الأخير إلى "ماو" في لقائه معه عام العام 1950، لكن بعضهم تجاوز ذلك كثيراً فالسينمائي البريطاني ألكس فيرمان مثلاً، افترض، في مدونة على موقع Kasparov المعارض، بأن "تشي" سيبحث في موسكو مسألة خلافة بوتين وسيطلب منه الرحيل، وهذا فهم غريب للأحداث، كي لا نقول أكثر، ويبدو، أي هذا الفهم، في جانب منه كتعزيز للعوامل الشخصية على العوامل الموضوعية في التحليل.
هنا تبرز "الرغبوية" في التحليل، فإذا كان من الصحيح أن الطرفين تبادلا المواقع بحيث أخذ "تشي" موقع ستالين القوي وترك لبوتين موقع ماو الضعيف، وإذا كان من الصحيح أيضاً أن هذا "يدغدغ" رغبة صينية كامنة، فإن من الأصح القول إن الدول، وخاصة تلك المنخرطة في صراع وجودي كما هو حال هذه البلدان، لا تقيس الأمور بهذه المسطرة التالفة.
لنلاحظ أولاً أن موسكو كانت الوجهة الأولى للرئيس الصيني بعد إعادة انتخابه، والسبب بسيط وواضح للغاية، "شي" يعرف جيداً أن "بوتين" يخوض الشق العسكري من الحرب الحتمية مع الغرب بديلاً عنه، ويعرف أيضاً، وجيداً، أن فرضيّة النصر الغربي على روسيا ستعني فوراً بدء الحرب على بلاده، وبالتالي فإن "بوتين" اليوم هو "درعه" الأول والرئيس ضد هذا الغرب، لذلك تصبح "أوكرانيا" موضوعياً هي خط الدفاع الأول عن بكين.
أكثر من ذلك يبدو قيام اليابان بتقديم هبة ضخمة لأوكرانيا دافع أكبر لتمسك "شي" بـ"بوتين"، أيضاً افتقاد واشنطن لـ"كيسنجر" جديد يعمل على التفرقة بينهما يجعل البلدين في موقع واحد بحيث يضطران معاً إلى أن تصل علاقتهما إلى مرحلة تحالف يخلق كما قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، "مشكلة حقيقية للدول الغربية أكثر خطورة من الصراع في أوكرانيا"، وهو يرسم الصورة بشكل أوضح حين يقول: "أعتقد أن المحور الروسي الصيني قد تم تشكيله، والذي تجاوره إيران وكوريا الشمالية.. نحن بحاجة إلى أخذ هذا على محمل الجد"، وأضاف بولتون إن الغرب يحتاج إلى البدء في مراجعة المفهوم الحالي للردع بسبب حقيقة أن "الصين أصبحت تهديداً في كل من المجال النووي والمجال التقليدي".
 أمام هذه التحديات الغربية التي تواجه كلاً من بكين وموسكو، يجب التقليل من التحليلات "الرغبوية" والقراءة بدلاً من ذلك في البيان الختامي لزيارة "شي" والذي قال حرفياً: "العلاقات الروسية الصينية من الشراكة الشاملة والتفاعل الاستراتيجي، التي تدخل عهداً جديداً، بفضل الجهود المستمرة للأطراف، وصلت إلى أعلى مستوى في تاريخها وتواصل التطوّر تدريجياً".
شيء آخر وهام جداً يجب التطرق إليه، كي نبتعد تماماً عن التحليل "الرغبوي"، وهو ما يتعلق بتعليق البعض على خطة السلام الصينية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وبالطبع يمكن التأكيد أن "الحرب" لا تدخل في سياق النظرة الصينية للعالم، فالسلام والتشبيك الاقتصادي هو من يصنع موقعها ودورها، لكن الأمر ليس كذلك في المقلب الآخر حيث تتصف الحرب هناك بوصفها نشاط اقتصادي هائل وتجارة لا تبور، فـ"كارتيل السلاح" الذي يحكم واشنطن لا يشبع، بل إن "الأرقام الكبرى للإنفاق العسكري من الجانبين تُنبئ بمرحلة رخاء جديدة يعيشها صنّاع الأسلحة على مستوى العالم، وخصوصاً في الولايات المتحدة، والذين تمثّل الصراعات بالنسبة إليهم فرصة تسويقية رائعة"، وفي هذا السياق يؤكّد المحلّل السابق في البنتاغون، فرانكلين سبيني، أنه "دائماً هناك حاجة إلى زيادة التوتّرات لتمويل موجة الإنفاق الدفاعي المستقبلي، الذي تمّت برمجته بالفعل في البنتاغون".
خلاصة القول، السلام ليس أكثر من مجرد هدنة بين حربين، وأوكرانيا اليوم، وسيكون غيرها لاحقاً، خط اشتباك ودفاع في الآن ذاته عن الأطراف الرئيسية المتحاربة، هذا ما يفهمه الجميع والصين منهم لذلك لن تفكر، مجرد تفكير، في التخلي عن أحد أوراقها الهامة في الدفاع عن حدودها بعيداً، ولنقرأ جيداً: آخر جملة قالها الرئيس الصيني وهو يغادر موسكو لبوتين هي: "الآن هناك تغييرات لم نشهدها منذ 100 عام. عندما نكون معاً، نقود هذه التغييرات"، ليرد بوتين قائلاً: "أوافق"، هذه التغييرات تحديداً هي ما يؤرق واشنطن ويجعلها ترفض إطفاء الحرائق بل تساهم في إشعال الكثير منها، وهذا يعني أن "السلام" الذي يعتقده "البعض" لا زال بعيداً جداً، هذا إن تحقق يوماً ما.