كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

المشهد السوري في العام الجديد.. آمال ومعوقات

أحمد حسن- فينكس

على ذات الجرح المفتوح افتتح العام الجديد أبوابه السورية بمفارقتين لافتتين أولهما، استمرار "الضائقة المعيشية الخانقة" بل تفاقمها على وقع عقوبات أمريكية جديدة رافقها، بصورة مستغربة، قرار تحرير أسعار –صامت وموارب- سبقه رفع قاس لأسعار الدواء، وثانيهما، بزوغ ضوء خافت من مصاريع أبواب قديمة-جديدة بدأت تُفتح في المنطقة مستفيدة من مسارات ودلائل الصدع الأوكراني العالمي.

بيد أن ما يجب التأكيد عليه أولاً وقبل أي شيء آخر هو ضرورة مقاربة هذه "الأبواب" بحذر شديد لثلاثة أسباب، أولها، أن الأهداف الحقيقة لهذا الانفتاح ليست المصالح السورية بالطبع، وثانيها، ارتفاع حدة الاستنفار الأمريكي حيالها، وثالثها، المفارقة الحكومية "التحريرية" الغريبة -كخطة وتوقيت- في ظل العقوبات الأمريكية الجديدة على القطاع الصحي، بما يمكن عدّها، أي المفارقة الحكومية، رسالة بالغة السلبية للمواطن في هذه المرحلة تحديداً.
وإذا كانت الخطوات التركية -وهي مشبوهة على كل حال- قد أُشبعت درساً وتحليلاً، فإن الرد الأمريكي الممانع لطرق أردوغان باب "قصر المهاجرين"، جمع ما بين جبهات عدّة عسكرية وسياسية وإعلامية واقتصادية.
فبالتزامن مع إعادة تجهيز قواعدها العسكرية وتزويدها بأسلحة جديدة، شكلت واشنطن ما سمته بـ"لواء ثوار الرقة" كي تغلّب الطابع العربي على "قسد" لمنح أنقرة طمأنينة ما علّها تخفّف من اندفاعتها نحو دمشق، وبدأت أيضاً في السعي لاستمالة المجموعات المسلحة المتواجدة في منطقة ادلب وخاصة جماعة "الجولاني" مستفيدة من خشيتهم من تأثير الخطوات التركية الأخيرة على وجودهم و"إماراتهم"، وواصلت، في الآن ذاته، اللعب على، وفي، المكوّن السياسي للمعارضة عبر تهشيم "الائتلاف" المحسوب على تركيا وتصعيد وجوه معارضة جديدة مثل "التحالف السوري الوطني" المحسوب عليها بالكامل، والذي جمعته مؤخراً مع "قسد" كي ينددا معاً بالتقارب التركي –السوري وبـ"المعارضة" التي وافقت عليه، ثم بدأت مشروع حرب إعلامية جديدة عبر تخصيص حزمة جديدة من الدولارات لما أسمته "تحسين إمكانية حصول السوريين على معلومات غير منحازة ودعم وسائل الاعلام المستقلة"، وهذا ما نعرف "خيراته" من مثال قناة "الحرة" السيئة الذكر.
بيد أن الأمر لم يتوقف على ذلك، بل إنها بدأت ومن بوابة "الكبتاغون" وقانونه الجديد بسدّ بعض "ثغرات" قانون "قيصر" الشهير، وتحديداً تلك المتعلقة بالدواء بحجة أن بعض مكوناته الأوليّة تُستخدم في صناعة "المخدرات"، وهو ما سيعني حكماً ندرة الدواء وارتفاع سعر الموجود منه وبالتالي موت عشرات، بل مئات، الآلاف على أسرّة المرض دون علاج على ما تخبرنا "التجربة العراقية" الأليمة في نهايات القرن الماضي.
وإذا كان للبوابات العسكرية والسياسية سبل عدّة لمواجهتها ليس هذا مكان تفنيدها، فإن البوابة الإعلامية تحتاج إلى جهد أكبر بكثير مما هو موجود حالياً، لكنه، للحقيقة، لا يجب أن ينحصر في قطاع الإعلام فقط لأن هذا الأخير صورة لواقع ما، بل يتجاوزه إلى تحسين فعلي لكامل البيئة السياسية والاقتصادية المحيطة به بما يعيد ربط المواطن بإعلام بلده، فيما تُعدّ البوابة الاقتصادية هي الأخطر وخاصة أن السياسة الفاعلة لا تُبنى إلا على أسس اقتصادية معقولة، لذلك فإن طلب "تحرك عاجل من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر لوضع حد لهذه الممارسات العدائية"، على أهمية ذلك وضرورته، لا يكفي للمواجهة، فالدرس العراقي ذاته يخبرنا أن أحداً في العالم لم يبال بأكثر من خمسمائة ألف طفل عراقي قضوا نحبهم نتيجة الحصار الأمريكي الذي كان أيضاً جائراً ولا إنسانياً وغير مشروع.
وإذا كانت مواجهة الإجراءات الأمريكية صعبة على دول كبرى، فإن هناك سبلاً معروفة للتخفيف منها، وقد قيل فيها الكثير لكنها جميعاً تندرج تحت عنوان واحد: حكومة حرب "تدخلية"، لا "تراجعية" كما نشهد الآن، تعامل الفاسد معاملة الإرهابي، فالقاتل بالتجويع ليس أقل خطورة وضرراً من القاتل بالرصاص، وإلا فإن استمرار تجاهل ذلك سيعمّق أزمة إدارة المجتمع، وفي ذلك سال وسيسيل حبر كثير بعضه قاس جداً لكنه أفضل بكل حال من سيلان الدماء.