كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قول آخر في المسؤولية عن ارتفاع منسوب "الجرائم" الأهلية

أحمد حسن- فينكس

هذا نقاش متأخر عن سابق إصرار وتصميم مع بعض الأصوات والآراء التي تخرج عقب كل جريمة أهلية مروعة كي تحمّلـ"نا"، جميعاً، المسؤولية عنها، ما يؤدي، من وجهة نظري، إلى أن تكون المسؤولية الحقيقية هي الضحية الثانية للجريمة، بعد المغدورين طبعاً.
وبطبيعة الحال لا أختلف كثيراً مع من يتحدث عن تربيتنا، وبيتنا، وأخلاقنا، أي مجمل ما نحن عليه، باعتبارها مجتمعة، ومنفردة، شريكاً فاعلاً في الجريمة، فنحن، كبشر، أبناء بيئتنا أولاً وأخيراً.
لكن نقطة الخلاف الرئيسية مع هؤلاء تتمثل بأمرين اثنين، الأول، أن الجريمة ليست أمراً جديداً علينا فهي قديمة قدم البشرية ذاتها، وربما، إذا وضعنا جانباً قصة قابيل وهابيل لأسباب لا داعي لذكرها، فإنها -أي الجريمة- بدأت منذ اللحظة التي سوّر بها أحدهم قطعة أرض وقال هذه لي، ثم تعدّدت، لاحقاً، أسبابها ودواعيها بتعقّد الحياة البشرية وتنوعها، وهذا ليس موضوعنا الآن، لكن ما يعنينا قوله إن مجتمعنا ليس استثناء من ذلك، وقد شهد، مثله مثل غيره، سلسلة من الجرائم المتنوعة الأسباب والأهداف، وإن كنا اليوم نشهد ارتفاعاً في منسوبها، وبعضه مما لم تعتده مجتمعاتنا، أي تحديداً "العنف الأسري"، أما الأمر الثاني، وهو الأخطر، فإن تحميلـ"نا" جميعاً المسؤولية عن الجريمة يؤدي مهمتين -ولو كان الشخص ذاته غافلاً عنهما- الأولى تبرئة الفاعل الأصلي من جريمته وإبعاد النظر عن السبب الحقيقي وخاصة حين نتحدث عن غياب الأخلاق وغياب "العصا" في التربية كسببين رئيسين للجريمة، وأما المهمة الثانية فهي ، على ما أرى، تقديم نوع من العلاج النفسي التعويضي بصورة أو بأخرى، أي أننا اعترفنا بالجريمة وتحملناها وارتحنا، ثم لا شيء آخر أي لا حساب ولا عقاب، وهكذا كان يفعل أحد الخلفاء، يقضي نهاره باللهو والظلم، ثم يجلب أحد الفقهاء ليعظه ويحذّره وهو يبكي حتى يُغمى عليه من خشية الله، ثم يستيقظ بريئاً، كما ولدته أمه، نظيفاً من آثامه، ويعود إلى جبروته وكأن شيئاً لم يكن، لأنه لم يعالج السبب الحقيقي لظلمه وجرائمه.
من هنا نقول ليس غياب الأخلاق والقيم وحدهما من يقف خلف هذه الجرائم المروعة قطعاً، فقد كان "الصحابة" وهم الرعيل الأول الذي عاش مع لحظة الوحي المقدسة بكل حمولتها الأخلاقية، وسمع مباشرة، من فم النبي، أوامر الإله ونواهيه، هم، وليس غيرهم، من خالف الرسول في حياته لأنه "يُهجر" مثلاً، وهم، وليس غيرهم، من انقلب عليه بعد موته، حتى أن معظم "العشرة المبشرين بالجنة" خاضوا ضد بعضهم، بغض النظر عن الأسباب، حرباً أهلية، كانت الأخلاق أول ضحاياها.
إذاً المشكلة بصورة عامة هي في مكان آخر، وتحديداً في غياب الدولة -وهنا نتحدث عن الدولة بمعناها الكلي من حيث وجود العلاقة السليمة بين المواطن والسلطة أي وجود القانون الذي يطبق على الجميع دون استثناء أو تحيّز- ففي غيابها أو على الأقل ضعفها يتحوّل الجميع عائدين نحو "هوبز" حيث الإنسان ذئب أخيه الإنسان، وحيث النهب والقتل والسرقة وكل ما نراه الآن.
وبالتأكيد فإن الرادع الأخلاقي والقيمي هو أمر هام للغاية، إلّا أنهما غير كافيان كما تثبت تجارب البشرية كلها، وهذا ما تنبه إليه القدماء حين قالوا: "إن الله يزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن"، وبالتالي فإن حضور الدولة، وسلطة القانون، مقدمة ضرورية لحضور الأخلاق في المجتمعات لا الأفراد طبعاً، ولكن حين تغيب الدولة -ولو بقي القانون شكلاً وهيكلاً جميلاً فيه جملة عقوبات رادعة لكنه فارغ من الداخل لأن أحداً لا يطبقه، أو يُطبق استنسابياً- تسود شرعة الغاب حيث القوي يأكل الضعيف ويفترسه، وحينها يصبح حل المشاكل بالقوة لا بالحوار، وقطعاً ليس بالقانون والقضاء. وباستمرار هذا الغياب لمدة طويلة يتحول العنف من سلوك إلى ثقافة، وهنا المشكلة الكبرى وذلك بعض ما نعانيه اليوم من تبعات الحرب الكبرى التي تجري في أراضينا حيث يتضافر الوضع الاقتصادي السيء للغاية الذي دفع بالعنف إلى مداه بحثاً عن سبل للعيش، مع انتشار السلاح وانفلاته و"استسهال" العنف والقتل لتخرج علينا هذه الجرائم بصورتها البشعة.
إذاً غياب القانون والسلطة التي تنفذه بسواسية وعدل ولو بقوة – وقديماً قيل "ظلم في السوية عدل في الرعية"-هو المشكلة الأساس وليس الأخلاق والعصا، ففي ظل ضعف السلطة تتغيّر الأخلاق ذاتها، ويصبح القوي بماله أو سلاحه أو موقعه فوق القانون، وحينها مرحباً بـ"هوبز" وسنبقى نأكل بعضنا في سلسلة طويلة حتى تعود الدولة ويعود القانون ليطبق على الجميع..الجميع دون استثناء.
وبالطبع سيحاجج البعض بالقول: وماذا عن العنف الذي تشهده المجتمعات الغربية حيث الدولة والقانون؟ ولهؤلاء نقول: هذا له أسباب أخرى وكلام آخر في مرحلة لاحقة.
متى يخرج التونسيون من ظلام النفق؟
الاتحاد العام لنقابات العمال يسعى لفتح اكتتابات السكن العمالي والشبابي المغلقة
فعلها المنتخب.. فهل تفعلها الحكومة؟
اغتيال "قادة الحرس الثوري الايراني" يأخذ المنطقة لمواجهة كبرى
د. جبور رئيس الرابطة العربية للقانون الدولي يخاطب قضاة محكمة العدل الدولية
هل أصبح الفساد ضرورة؟
اليمن قولاً وفعلاً.. كشف الحقائق
أسباب عديدة أدت الى توقّف العمل في معظم المشروعات الصغيرة والمتوسطة
لماذا نحتاج إلى مبادرة حول قانون الإعلام المرتقب..؟
السورية للتأمين ومشتركوها.. بين الربح الموعود والمردود المهدود..!
ماذا يتمنى السوريون في 2024؟
البطل في انتخابات مجالس المحافظات
الرهان الذي ولد خاسراً!
حزب البعث.. والمرحلة المفصلية..!
قراءة موضوعية في قرار حكومي جديد حول تشييد الأبنية: مجحف اجتماعياً واقتصادياً ولابد من تعديله