كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لماذا سوريةُ..؟!

محمد الوزيري- فينكس

 إن المراثي و إن تعددت معلقاتها، لن تكفي لبكاء الصرح الشامي الذي شُيِّد للدفاع عن مصالح الأمة في كل حقبة من حقب الزمان. و إن أشعار المديح -أولها و آخرها- لن توفي تاريخ سورية الوضاء حقه في ذكر حسناته -المفقود عددها- على الأمة جمعاء بلا مبالغةٍ ولا فيض مديح، فقد سبق و قال من لا ينطق عن الهوى: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم".
لقد وضعت سوريةُ اللبنات الأولى لميلاد المجد العربي مع الأمويين، فكانت دمشق ذلك العرين الذي سطا زئير أسوده على مغتصبات الفرس و الروم من بلاد العرب، و منها إلى الهند و السند و ما جاوزهما. فتحرر العرب من قبضة مستعبديهم، و شيدوا الحصن المانع من داخل قلعة دمشق الكبرى و منها إلى الأندلس..
إن في كل حقبة من حقب الزمان كلما اهتزت أركان إمبراطورية العرب في قطر من أقطارها، كانت دمشق دائما هي الوتد الذي يثبت الخيمة حتى لا تقع على من لاذ بظلها من حر الاستعباد الكوني.. و إن التاريخ ليعيد أحداثه و يكررها في كل مرحلة من مراحل الزمان بصورة مختلفة، و تكون سورية هي الثابت الذي لا تسري عليه قوانين المتحول، فتثبت في كل مرة أنها عمق العروبة و قلبها النابض الذي لا يموت..
لقد احتمى الشركسيون بسورية من حمم الإبادة الجماعية في حرب القوقاز، فعاشوا تحت أثافيها الثلاث حتى أصبحوا جزءاً أصيلاً من الخيمة. و بعدهم الأرمنيون الذين حملوا أرواحهم بين أكفهم سالكين الدرب نفسه، هرباً من هول الحرب العالمية الأولى و الإبادة الفاشستية للإرهاب التركي، فألْفَوا الأمان بين جدران قلعة الأمان..
إن الذاكرة تأبى النسيان مهما حاول الطغاة تعطيل صفحاتها الأخلاقية.. إذ قبل ثمانين عاماً فقط احتضنت سورية آلاف اليونانيين الهاربين من بطش الإيطاليين و الألمان في الحرب العالمية الثانية، فنالوا المأوى و الأذرع المفتوحة فأصبحوا جزء من سورية البلد.
و بعدها بحوالي خمسين عاماً جاء الكويتيون يطلبون الأمان، فراراً من الهجوم الصدّامي في حرب الخليج الثانية عام 1990. فكانت الرسالة الخالدة التي وضعتها سورية مبدء لا تساوم عليه بالذهب هي دستور المعاملة مع الوافدين لا اللاجئين. إذ لم تمض على الحادث سوى ثلاث عشرة سنة حتى صرخ الآلاف من الشعب العراقي مستغيثين بالجوار، فأتى ذلك الصوت من عمق دمشق ملبيا للنداء "لبيك يا عراق"، فدخلها العراقيون بسلام آمنين..
لقد كشفت حرب تموز عام 2006 عن مدى استعداد هذا البلد العزيز للتضحية بالغالي و النفيس من أجل الشعارات الواضحة التي جعلها مصباحا لسياسته القومية. فقد استقب خمسمائة ألف نازح في الأسبوع الأول من الحرب فقط!. ثم توالى الآلاف بعدها كأنه يوم الحشر الأعظم و الشام هي المثوى الأخير.!
أما عن فلسطين و الفلسطينيين فلا مجلدات تكفي للحديث عن فضل سورية على فلسطين. لأن أُسَّ المعركة الوجودية و أساسها يكمن ههنا. إن التاريخ شهد و ما زال يخط بين دفات كتبه بأن معركة فلسطين كانت و ما زالت هي معركة سورية، و ما حدث في سورية ليس إلا نموذجا عن الحقيقة الواضحة بأنها تخوض معركة العرب أجمعين نيابة عنهم..
إن المقام لا يسمح بأن نذكر ما خاضته و ما عانته سورية من أجل فلسطين التي وضعت في قلب دمشق، لأن التاريخ يتحدث بنفسه، و ما علينا إلا أن ننفض الغبار عن أوراقه المسودة بفصول طويلة من التضحية و الإباء و الإيثار على النفس.. و لعل خير دليل مباشر هو الرسالة التي تحدث عنها الشيخ بدر الدين حسون إبان تحرير حلب من نير الإرهاب، بحيث إن مصدرها "إسرائيل" بمضمون ترغيبي يتجلى في توقيع معاهدة سلام مع الكيان مقابل وقف القتال في سوريا خلال ثمانية و أربعين ساعة عام 2016.
إن الذي يستطيع أن يوقف الخراب خلال يومين و هو الذي أشاعه خلال ست سنوات لهو الدليل القاطع على منبع الإرهاب من جهة، و على عمق القضية و القضية المركزية التي لا محيد عنها من جهة أخرى.. فلطسين!.
إنها ليست معركة وليدة حكم الرئيس الأسد و لا الجيش العربي السوري ولا الشعب العربي السوري.. إنها معركة تاريخ المجد العربي كله منذ الأمويين، الذي استحضر عهوده حافظ الأسد، فلم يوقع على صك البيع دون شراء مع بيل كلنتون الذي رمى بآخر أوراقه في ساحة الرهان الإمبريالي على مصير بلادنا..
و ها هي دمشق اليوم و بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب و التدمير تفتح الأذرع مجددا للمقاومة، و تمد اليد حتى إلى أولئك الذين أكلوا مع الذئب من مأدبة اللئام، لأن دمشق لا تعترف بالأشخاص في المعارك المصيرية، و إنما تعترف بأعلام الحق التي تخوض معركة المصير مهما تعددت خلفياتها، بشرط أن تقاوم..
للأسف، إن القلم يتيه و يفقد توازنه فلا تحضره التواريخ ولا الكلمات المناسبة لذكر مجد دمشق و فضلها على الأمة و الكون كلما هم بسرد فصولها. لأن سورية أكبر من القلم، و أعظم من حبره، لأن سورية هي قلب الأمة النابض الذي يضخ الدم في شرايين جسدها لبعث الروح في القضايا التي توشك أن تموت...
يتبع
متى يخرج التونسيون من ظلام النفق؟
الاتحاد العام لنقابات العمال يسعى لفتح اكتتابات السكن العمالي والشبابي المغلقة
فعلها المنتخب.. فهل تفعلها الحكومة؟
اغتيال "قادة الحرس الثوري الايراني" يأخذ المنطقة لمواجهة كبرى
د. جبور رئيس الرابطة العربية للقانون الدولي يخاطب قضاة محكمة العدل الدولية
هل أصبح الفساد ضرورة؟
اليمن قولاً وفعلاً.. كشف الحقائق
أسباب عديدة أدت الى توقّف العمل في معظم المشروعات الصغيرة والمتوسطة
لماذا نحتاج إلى مبادرة حول قانون الإعلام المرتقب..؟
السورية للتأمين ومشتركوها.. بين الربح الموعود والمردود المهدود..!
ماذا يتمنى السوريون في 2024؟
البطل في انتخابات مجالس المحافظات
الرهان الذي ولد خاسراً!
حزب البعث.. والمرحلة المفصلية..!
قراءة موضوعية في قرار حكومي جديد حول تشييد الأبنية: مجحف اجتماعياً واقتصادياً ولابد من تعديله