لماذا تأخر لقاء أردوغان والأسد؟
د. خيام الزعبي- فينكس
رغم مرور عدة أشهر على الدعوة التي أطلقها الرئيس التركي أردوغان لإجراء حوار مباشر مع دمشق، إلا أن هذه الدعوة لا تزال تتراوح مكانها،وأن خلافات الماضي التي امتدت لعدة سنوات بين البلدين ما زالت موجودة.
ورغم الجهود المتواصلةلتطبيع العلاقات بين البلدين، لا تزال هناك تحديات كبيرة تعترض طريق التقارب بين دمشق وأنقرة، أهمها التواجد العسكري التركي في شمال سورية، والذي تراه دمشق "احتلالاً" لأراضيها وتشترط زواله لتطبيع العلاقات، وهو ما ترفضه أنقرة حتى الآن بذريعة وجود قواتٍ كردية على حدودها الجنوبية تشكل خطراً على أمنها القومي.وهو الوضع الذي يمثل إحدى أهم العقبات التي تقف حجر عثرة في طريق إتمام المصالحة مع دمشق.
بالإضافة الى اصطفاف تركيا إلى جانب المعارضة المسلحة، حيث قدم الجانب التركي العديد من المساعدات المختلفة لها، شملت الأموال والعتاد والملابس والطعام و تدريبها عسكرياً، ودعمها لوجستياً، وأشراكها في عملياتها العسكرية التي قامت بها في مناطق الشمال السوري، إضافة إلى ذلك كانت هذه القوى تعتبر الرئيس أردوغان بمثابة الأب الروحي لها، فكان من الصعب على تركيا التخلي عنها التي تمثل قوام الجيش الحر، مع الأخذ في الحسبان استمرار تواجد عناصر كل من المسلحين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية، بما يمثل تهديداً حقيقياً للأمن القومي التركي، ويبدو أن هذا هو السبب الحقيقي وراء إصرار أنقرة على استمرار تواجد قواتها، للوصول إلى اتفاق مع دمشق يتم بموجبه ضمان دمج قوام الجيش السوري الحر وانخراط أفراده ضمن الجيش العربي السوري، بما يحفظ لتركيا مكانتها، واستمرار دعمها لحلفائها من عناصر المعارضة المسلحة.
ولا ننسى ملف اللاجئين المقيمين في تركيا وخطورته بالنسبة للحكومة التركية خاصة بعد أن تحول وجودهم إلى كابوس في ظل تنامي العنصرية داخل المجتمع التركي وتصاعدها بشكل يهدد السلم الاجتماعي، هذا بالإضافة الى أن الملف السوري لم يعد يحظى بذات الأهمية لدى السياسات الدولية فضلاً عن تهميشه، نتيجة نشوب صراعات إقليمية أخرى في المنطقة.
هنا لا بد من التذكير بأن أي قراءة للرغبة التركية في التقارب مع دمشق يجب ربطها بالعاملين الأميركي والإسرائيلي، فلا يمكن حل موضوع "قسد" والأميركيون موجودون في منطقة شرق الفرات، وهناك عنصر مهم آخر لا يمكن تجاهله في أن واشنطن التي تسيطر على قرار الرئيس التركي، لن تقبل أي مصالحة أو عملية سياسية تؤدي الى تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، فالرئيس التركي وضع يده بيد الغرب وحلفاؤه، ولم يفعل ذلك إلا بعد إتفاقه معه على كل التفاصيل.
ومن هنا إنّ مسار التقارب التركي السوري سيكون مساراً طويلاً ومعقداً وقائماً على مبدأ "الخطوة بخطوة" من الجانبين، بالتالي إن الوجود العسكري التركي في سورية سيبقى قائماً، لأن تركيا ليست بوارد التخلي عن الوجود العسكري ولا عن مهماتها الإدارية اليومية في شمال غرب سورية.
بالتالي إن بناء الحوار "كان ملاحظاً" عدم وجود اندفاعة سورية كما هو بالنسبة للجانب التركي، فدمشق من جهتها وضعت مصلحتها الوطنية فوق كل الاعتبارات، فبدت غير متحمسة لهذا اللقاء، فاللقاء يجب أن يكون مبني على إنهاء الاحتلال والانسحاب الكامل للقوات التركية ومرتزقتها من الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن.
ولا شك إن دمشق ترى أن التقارب أو الاجتماع بين سورية وتركيا هو عديم الجدوى إذا لم يأت بشيء ملموس، لذلك لا بد من الانسحاب الكامل للقوات التركية من الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن، ووقف الارهاب التي تستخدمه بكافة الوسائل والإمكانيات ثم تبدأ عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة.
فالمأمول هنا آن تدرك أنقرة حجم مغامرتها في سورية، وأن تبادر إلى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري، وأن تسارع بخطوات تنفيذ شروط دمشق وهي إنهاء احتلال سورية والانسحاب منها فوراً خاصة بعد الصمود الذي سطّره جيشها في الشمال السوري.
خلاصة القول لقد آن الأوان أن تستعيد سورية مكانتها ودورها البارز على المستويين الإقليمي والدولي، وتؤكد على أنها لن تسمح لأي طرف بالتدخل في شؤونها الداخلية.