فلسطين ومركز الثقل السياسي الأوروبي
د. خيام الزعبي- فينكس
اليوم حرب غزة تغيّر العالم بأكمله، فهناك المزيد من دول مركز الثقل السياسي الأوروبي "إسبانيا والنرويج وإيرلندا" تعترف بفلسطين دولة، و"إسرائيل" لا تملك إلا المزيد من الجنون وأكذوبة "معاداة السامية"، هذه الخطوة الأخيرة من الدول الثلاث تعد مؤشراً كبيراً على أن العالم يتجه نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية قريباً،وهذا القرار سبب هيستريا وفزعاً مخيفاً للكيان، وبذلك يبدو أن إسرائيل واعية بأنها في أسوأ وضع واجهته منذ عام 1948، مع وجود تأثير داخلي حقيقي داخلها ممن يعارضون حكومة نتنياهو.
في هذا السياق أصبحنا نسمع أصواتاً من داخل أوروبا تعبر بكل صراحة عن مدى الاعتراف والشعور بالإحباط وخيبة الأمل من الفشل الذريع الذي ترتكبه إسرائيل من خلال استراتيجيتها في غزة، إذ فقدت الكثير من الخيوط وقدمت خسائر فادحة لم تكن في حساباتها، بالمقابل بدأ الدعم الإقليمي والدولي المطلق لإسرائيل بالانخفاض والتآكل، نتيجة مواصلة العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة و ارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل التي لا يمكن إخفائها عن الرأي العام.
وعلى الطرف الأخر، إن قرار الاعتراف بدولة فلسطينية من 3 دول أوروبية كبرى هو قرار رمزي في مجمله، لكنه يحمل وزناً دبلوماسياً وسياسياً من شأنه أن يزيد تمثيل الموقف الفلسطيني في أوروبا، كما يجعل الكيان الصهيونيأكثر عزلة على الساحة الإقليمية والدولية، بعد أن طلبت حكومات أوروبية من المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت
وعلى المنوال نفسه، أن تحرك الدول الثلاث" إسبانيا والنرويج وإيرلندا" ، في هذا التوقيت الحساس، يهدف إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب على غزة، وتوجيه رسالة قوية لباقي الدول لكي تحذو حذوها والاعتراف بدولة فلسطين.
بالمقابلإن تبعات هذا الاعتراف من شأنه أن يخلق تمثيلاً دبلوماسياً في النرويج وإيرلندا وإسبانيا، من حيث السفراء والهيئات الدبلوماسية، كما تساعد على إحداث مساحات لاختراق السياسيات الأوروبية الداعمة في أغلبها للموقف المضاد للفلسطيني.
في وقت قريب كان الاتحاد الأوروبي يتدخل بعمق في مفردات الصراع في فلسطين وكان من أكبر الداعمين لإسرائيل في حربها على غزة فيما أسماه "حقها في الدفاع عن نفسها أمام هجمات حركات المقاومة الفلسطينية"، واليوم أصبح الحديث يدور عن تصحيح الاتحاد الأوروبي لمواقفه السابقة، حيث بدأ يميل إلى الاعتراف بالخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه، بعد التحول الكبير في التعاطي السياسي مع الحرب على غزة، فالصحوة الخجولة لبعض المسؤولين الغربيين والأوروبيين وتغيير تفكيرهم إزاء ما تمر به غزة يظهر بما لا يدع مجالاً للشك صحة استراتيجيات غزة ومقاومتها دفاعاً عن قناعات شعبها وقد تمثل ذلك من خلال دعوة إسرائيل إلى التوقف عن قتل الأطفال والنساء في قطاع غزة، وتسريع إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة،الأمر الذي شكل العامل الرئيسي بمراجعة شاملة لسياسات بعض الدول الأوروبية حول تعاطيها مع الحرب في غزة.
بالتالي إن قرار كل من إسبانيا والنرويج وإيرلندايعتبر إنجازاً للشعب الفلسطيني وإنتصاراً لضحاياه الذين سقطوا نتيجة الاحتلال الإسرائيلي وجرائم الحرب التي إرتكبها وما يزال منذ إنشاء كيانه على أرض فلسطين، كما يعتبر خطوة أولى من قِبل المجتمع الدولي لعزل الكيان الصهيوني الغاصب، ورفع الحصانة والغطاء عن جرائمه ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي نفذها بحق أبناء الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
وبفضل الإنجاز العسكري الذي تحرزه المقاومة كل يوم على الأرض بدأت تلوح في الأفق معالم فجر جديد في مسار قضية أمة بأكملها، فشروط المقاومة اليوم قد تغيرت وإرتفع سقفها، وباتت في الصدارة، ومبادرات الخنوع والإستسلام لم يعد لها بين محور المقاومة، والكلمة الفصل والقرار اليوم لم يعد لأحد سوى للأبطال في الميدان، فهم باتو الأمل الوحيد للأمة المكلومة في رسم خارطة طريق جديدة لفلسطين وللأمة بأسرها.
أختم مقالتي بالقول: إن اعتراف الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية مؤشر على تغير نظرتها تجاه إسرائيل،وتعمق الصدع بين أوروبا وإسرائيل بعد الدعوات المتزايدة لقطع الاتفاقيات التجارية والعسكرية مع الكيان أو الحد منها بشكل جذري، وبالتالي إن إنتصار غزة على الإرهاب سينعكس إيجاباً على المسرح الإقليمي والدولي، بالتالي فإن إسرائيل التي أدارت الصراع في غزة خسرت رهانها من إعادة خلط الأوراق وإحداث فوضى عسى أن تتمكن من إسقاط المقاومة أو غير ذلك، ولكن كل هذه الأوهام إنهارت لأن أبناء الشعب الفلسطيني على مختلف المكونات والأطياف هبوا ليقفوا صفاً واحداً لمقاومة إسرائيل وطردها من أرض فلسطين الغالية على قلوب جميع السوريين.