كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

المستبد العادل

بشّار عباس- فينكس:

عرفت البلدان العربية تغيرات عديدة في الأنظمة الحاكمة، ملكية وجمهورية، من العراق وحتى المغرب.
ولكن طموح أغلبية الناس تجاوزت هذه الأنظمة وأخيراً استسلمت لفكرة "المستبد العادل"، حيث أن هذا النموذج له أنصاره تقليدياً وهناك من يرى أن تاريخنا مليء بنماذج "المستبدين العادلين"، ولطالما دارت حوارات حول هذه الفكرة حيث جرت محاولات عدة لإثبات خطر الاستسلام لمنطق "المستبد العادل"، ولكن الطرف الآخر من الحوار آخرون كان يؤكد أن "المستبد العادل" هو النظام الوحيد الذي يمكن أن ينجح تطبيقه في منطقتنا.
وأحاول إيجاز أهم مثالب "المستبد العادل" فيما يلي:
• المشكلة الأساسية هي في هذا التناقض في التسمية أصلاً، فليس هنالك عدل في ظل الاستبداد، بل لا بد لمن يريد تثبيت الاستبداد أن يلجأ إلى التماس دعم المجموعات المستفيدة من حكمه ويمنحها الامتيازات، كي تقوم بحماية استبداده وكي تشعر انها تدافع عن نفسها وامتيازاتها.
• وبذلك يتم بناء نظام لا يستطيع مراقبة نفسه ولا يعرف أين أخطأ وأين أصاب، طالما أن الجماهير تمنحه ولاءها الأعمى في جميع قراراته وخياراته، أو على الأقل هكذا تسعى البطانة المحيطة لتصوير الأمور للمستبد، بحيث يسهل عليها تحقيق مصالحها عبر إظهار تأييد الجماهير المطلق للمستبد، وإقناعه أن هذه البطانة هي من تحمي الوطن من المؤامرات الخارجية.
• وبذلك يقوم المستبد بخطأ تلو الخطأ دون أن يجد أحداً يجرؤ على تنبيهه، ودون أن ينتبه إلى وجود خيارات بديلة، فيتمادى في ارتكاب الأخطاء، وبعضها يكون في النهاية قاتلاً له ولنظامه وشعبه.
• نظام الاستبداد يتطلب رقابة شديدة على تحركات الناس وأفكارهم بل وأحلامهم، مما يخنق روح المبادرة لديهم، وينصب مستبدين صغار على جميع المستويات الجغرافية والمؤسساتية، وهؤلاء مع الوقت يسعون إلى الاستفادة القصوى من موقعهم، قبل أن تنقلهم تقلبات الزمان إلى مرتبة المواطن العادي، مع كل ما يرافق ذلك من تشجيع الفساد، ونهب المال العام وتخريب البنية المجتمعية والمؤسساتية.
• عندما يتحكم الاستبداد برقاب الناس في بلد ما، فإنه يعزلهم ويحولهم إلى كم مهمل مهمته الوحيدة هي انتظار قرارات و"عطاءات" المستبد، وحتى لو كانت هذه الجماهير مقتنعة فعلاً بأفضلية هذا المستبد على الأشكال الأخرى من الحكم، فإنها لا تستطيع أن تؤثر في مسار الأحداث، وبذلك يصبح تأييدها وعدمه سيان.
• يذخر المجتمع بقوى خلاقة مبدعة وهذه القوى لا تظهر تأثيراتها إلى الوجود إلا في جو من حرية الفكر والقول والعمل، فالناس هنا عندما يقيمون علاقات متكافئة بينهم، وينظمون أنفسهم تصبح قوتهم مضاعفة، فقوة المجموعة ليست تجميعاً حسابياً لقوى الأفراد، بل تعتمد قوتها بشكل أساسي على العلاقات القائمة بينها، وهي قد تتراوح بين الصفر وهو ما يفرضه الاستبداد، وبين القوة العظمى وهو ما تتيحه أجواء حرية الفكر والقول والعمل.