صعبة بالفعل.. لا بالكلام
سعاد سليمان- فينكس:
يقف الرجل العجوز وسط الشارع المزدحم بالمارة, ويصرخ بصوت أجش: صعبة.. صعبة بالفعل مش بالكلام. يعيد الجملة, ويكررها, وهو يشير بيده اليمنى كأنه يتوعد.. وبغضب.. لكن لا أحد من المارة يراه, أو يسمعه.. أو هكذا يخيل إليك..
كل الجمهور الموجود في اللحظة صدفة هو غافل عما حوله كمن يمشي في نومه, أو إلى مستقر له.. الكل مشغول بفكرة ربما, أو قضية.. هو شأن خاص جدا.. كطبخة اليوم عند النساء؟
ويمضي الرجل.. لكن صوته ما يزال موجوداً في الشارع.. كجرس مبحوح.. وهو يعيد الجملة ذاتها دون ملل, أو كلل.. وأراه من البعيد يحرك يمناه, ويدس اليسرى في جيبه, ويصيح بثقة.
لعله خرج للتو من المصرف العقاري.. لماذا؟
أرخص شقة – على العضم – في قرى طرطوس ب15 مليون ليرة سورية.. في المدينة الأسعار خرجت عن المعقول.. الشقة المستهلكة بتسعين مليون.. مستهلكة.. لأنها قريبة من البحر إذ يقدر الخبراء عمر البناء هنا بأربعين سنة فقط.. بعد الأربعين يجب الترميم, أو إعادة البناء بسبب الرطوبة الشديدة.. ومع ذلك يتم تسعير شقة تالفة بتسعين مليونا, وبحزن شديد.. إذ يمكن أن يحصَل البائع أكثر لكنه مضَطر!
ولأن قروض السكن خرجت من سجنها بعد توقف لسنوات, فقد خرجت بشروط جديدة.. لإقراض الفقراء, وتحقيق أحلامهم الوردية في بيوت تأويهم, فلا يتحكم بهم أصحاب البيوت المعفَنة..
كانت الشروط الخيالية بالنسبة للموظف.. ومن يقرأ هذه الشروط يتأكد مما أقول.
تقول موظفة مهمة في المصرف العقاري – لا تعرف الابتسامة, ولا وقت لديها تضيعه مع مراجع, أو مراجعة – لكنها كسرت على أنفها بصلة.. وقالت بثقة: على المستقرض أن يؤمن ثمان كفلاء من موظفي الدولة ليأخذ ستين بالمئة من ثمن منزل كقرض لشراء مسكن.. ليضمن المصرف حقه عليه ضبط رواتب ثماني موظفين في الدولة فقط!
كل مواطن يعرف أن رواتب الموظفين ما تزال من عصر الذهب, وقد صرنا في عصر التنك..
من هنا لا بد من ضمان حقوق المصرف.. كيف لا يهم.. المهم النتيجة.. مع العلم أن يد المصرف القوية توضع على العقار, كرهينة ريثما تنتهي الأقساط, ويحصل على حقه كاملا...
لن نسأل عن الاجراءات, والأوراق المطلوبة، فجدول القروض الذي أصدره المصرف يؤكد أنه وضع للتجار أو لأصحاب الأموال ليزدادوا ثراء, وغنى, وليس لموظف لا يملك سوى قوت عشرة أيام من شهره الميلادي, والباقي بالدين, والتقسيط...
وإليكم المثال: 15 مليون المبلغ الأعلى للقرض السكني.. أما القسط الشهري فهو 322 ألف ليرة سورية وفراطة.. لمدة خمس سنوات.. أو 175 ألف ل. س وفراطة شهريا إذا كان لمدة 15 سنة.. وما بينهما... أما الفائدة فهي بحسب المدة السنوية, تزداد طرداً من 10 بالمئة, وحتى 115 وسؤال: من وضع هذه الشروط؟!
وسؤال آخر: من الموظف الذي يصل راتبه حتى 175 ألف ليرة سورية, أو 322 ألف؟!
نتيجة: نعتقد أن المصارف العقارية وجدت للتجار, وأصحاب الأموال, والمشاريع.. القادرين على تحقيق مثل هذه الشروط, وليست للمواطن العادي.
مع العلم.. أنك تدخل إلى المصرف بهمة, وتخرج منكسر الخاطر... ذليل.
من هنا لا بد أن نصرخ مع ذاك الرجل: صعبة بالفعل لا بالكلام!