الأهل.. سورية التي أحب
2024.05.24
باسل علي الخطيب- فينكس
هؤلاء ورفاقهم هم من أطفأوا تلك النار الهائلة التي اندلعت حريقاً في مصفاة حمص....
نعم، هذا الراتب يكفيهم أن يشتروا الخبز، و لكن هل بالخبز وحده يحيا الإنسان؟....
طبعاً لا، و لكنه يحتاج الخبز لكي يعيش...
فقط الخبز؟...
حسناً، الراتب أعلاه يكفيهم أيضاً أن يكون على مائدة الغداء عدا الخبز، صحن زيت و بصلة...
تسألون عن الإفطار و العشاء؟...
هؤلاء عادة يلوكون على الإفطار بعض الشعارات، و لا داعي للعشاء، أنه بدونه أفضل على المعدة حتى لا تراودهم الكوابيس ليلاً أثناء النوم، فكوابيس النهار تكفي...
قد كنت كتبت مقالاً يوماً عنوانه (تحت خط الخبز)..
هاكم إياهم...
ولكن دققوا في الصورة...
هؤلاء تحت خط الخبز، و لكن فوق كل خطوط الكرامة والشهامة والتفاني والإخلاص والحب والوطنية....
هؤلاء هم السوريون حقاً، أبناء هذا التراب وأهله، هذا هو السوري الحقيقي، عندما يناديه الوطن في أي مكان، يرمي خلفه كل مظلوميته باتجاه الدولة، والنتيجة هذه الصورة، وقد كان بينهم وبين الموت (شعرة)، ولكن بينهم وبين هذا التراب دقات القلب وأضرحة الآباء و الأجداد وخطوات الأولاد....
و ذاك الأمل....
هذه الابتسامات، وتلك الجباه الملطخة والثياب المجعوكة المتسخة، تساوي كل تلك الشعارات والمنابر والخطابات إياها....
البعض يقول بل تساوي أولئك إياهم الذين يردحون ويجترون تلك الشعارات...
هذه الصورة هي سورية في أجمل وأبسط وأطهر تجلياتها...
ذات مرسوم حول الحوافز أصدره السيد الرئيس ينصف هؤلاء وأمثالهم، فكان ان (استكثره) عليهم أصحاب الكراسي والمعالي....
ولكن كيف لمن يجلس تحت المكيف طوال النهار، و يتنقل في أحدث السيارات، و حذاءه إن وطأ الأرض لايطأ إلا غرانيت الفنادق، وعلى مائدته كل ذاك (المنيو) إياه، وابنته تصرف على (صراميها) في شهر، ماتصرفه عشرة عائلات من هؤلاء على طعامها في سنة، وابنه يصرف على (جيل شعره) مايعادل راتب عشرة ممن هم في الصورة....
كيف لأولئك أن يشعروا بهؤلاء؟....
فكان أن ضاع ذاك المرسوم في دهاليز النقاشات والتفسيرات والفزلكات والاجتماعات والتفسيرات والتعالي والغطرسة....
بالمناسبة أكاد أراهن أن كلباً أو قطة يربيها أصحاب المعالي إياهم تكلف في الأسبوع أضعاف ذاك الراتب أعلاه في بداية المقال....
هل (قويت) العيار بعض الشيء؟....
اسمعوا إذاً....
سيتداعى أصحاب المعالي، وسيقيمون حفل تكريم لهؤلاء، سيلقون (الكلمات) عن الصمود وعن الوطن، وسبلتقطون الصور، ستصدح حناجرهم من على المنابر ببطولات هؤلاء الرجال وساعات الرولكس تلوح في سواعدهم، وهم يهتفون وقد شدوا قبضاتهم....
سيردد الجميع تلك اللازمة (الجنود المجهولون)....
أما أنهم جنود فهذا حقاً، كان جنود جيشنا وفي بعض معاركهم يواجهون عدوهم باللحم الحي، وهؤلاء العمال كذلك الأمر، واجهوا ذاك الحريق بصدورهم....
أما أن تقولوا أنهم مجهولون؟!.. فبئس القول، هؤلاء لهم أسماء وإحداثيات وعائلات وأحباء وقصص حياة....
علماً أن هذه الصورة لاتعكس إلا بعضاً من بطولات هؤلاء الرجال...
خلف الصورة صور، أنهم يصارعون الدنيا كل ساعة كل يوم حتى يؤمنوا لأولادهم بعض الحياة الكريمة، حتى لا يفقد أولادهم بقية ذاك الانتماء لهذا التراب....
عندما أرى هكذا صورة أشعر أن سورية مازالت بخير....
ليس لأن هؤلاء الرجال قد أطفأوا ذاك الحريق، إنما لأنه مازال هناك رجال في هذا البلد في كل مكان مستعدين و قادرين لإطفاء أي حريق مهما كانت التضحيات....