الطلقة الأخيرة
2023.06.26
باسل علي الخطيب- فينكس:
ذات يوم من شتاء عام 1989، وقد اقتربت مجموعة من (المتظاهرين)، الألمان المدربين والممولين من مقر المخابرات السوفييتية في مدينة دريسدن الألمانية الشرقية، يريدون اقتحام المقر، والاستيلاء على مافيه من وثائق، خرج من المقر لمواجهتهم أحد الضباط السوفييت مسرعاً حتى أنه لم يلبس سترته رغم أن الجو بارد، وقف هذا الضابط أمام الباب يلوح بمسدسه مخاطباً الحشود بلغة ألمانية سليمة، أن لديه 12 طلقة في المسدس، وأنه لن يتردد في استعمال 11 طلقة ضدهم، ويبقي الطلقة الأخيرة لنفسه، مما أثار خوف المتظاهرين وتراجعوا عن عزمهم، وتمت حماية الوثائق....
كان اسم هذا الضابط فلاديمير بوتين.....
مايحدث في روسيا، هو أحد احتمالين....
الاول أنه وقد تعاظمت قوة فاغنر، وتوهم قائدها - بالمناسبة، تأملوا وجهه، ألا يشبه مصاصي الدماء؟ - توهم قائدها أنه يستحق اكثر مما هو عليه، وأنه لاينال التقدير الكافي لما يقدمه، وصار يتطلع إلى ماهو أبعد من قيادة فاغنر، لاسيما أنه يظن انه صاحب الفضل في كل الانتصارات في الحرب الأوكرانية، توهم ذلك إلى تلك الدرجة أنه انتقد - بل تحدى - ضباط الجيش الروسي وصولاً ألى وزير الدفاع، أنهم مقصرون معه بالدعم اللوجستي لمواصلة المعارك....
ويبدو أن القيادة الروسية استشعرت الخطر الذي يمكن أن يشكله على البلاد وعلى مجريات العملية العسكرية في أوكرانيا، فكان أن نصبت له كميناً، أنها حشرته في الزاوية، لتدفعه إلى ارتكاب خطأ مميت، عندما فرضت عليه وعلى بقية التشكيلات العسكرية المشابهة لفاغنر، سواء كانوا متطوعين أو مرتزقة، أن يوقعوا عقوداً مع وزارة الدفاع الروسية يكونوا بموجبها تحت إمرتها، مع إعطاء عناصرها الميزات نفسها للجنود الروس...
بالتوازي مع ذلك سربت القيادة الروسية إلى زعيم فاغنر، أن لديه شعبية في أوساط الجيش، وأن هناك جنرالات يؤيدونه وليسوا مع الطريقة التي تدار فيها الحرب، ولا أستغرب إن يكون هؤلاء الجنرالات قد تواصلوا معه بأمر من القيادة الروسية، وأقنعوه أن يعلن تمرده، على أن تكون الشرارة عقود الوزارة....
وقع بريفوجين في الفخ، أعلن تمرده، كان ذلك كافياً لتتحرك النيابة العسكرية الروسية ضده، وتعتبر فعلته خيانة عظمى، في المقابل لم يحصل تمرد مواز في الجيش، تفاجأ قائد فاغنر، أسقط في يده، وشعر أنه وقع ضحية كمين، فأعلن بسرعة تراجعه عن تمرده، وطلب وساطة رئيس بيلاروسيا مع بوتين، وليس العكس كما يروج ذاك الاعلام الغبي....
ولكن بوتين لا يلقي كلامه جزافاً، فهو تحدث عن طعنة في الظهر، حتى ولو كان هو من أوهم صاحب السكين أنه يستطيع أن يطعن، فالولاء بالنسبة لشخص مثل بوتين لا يحتمل اختبارين...
الاحتمال الثاني، أن يكون هناك حقاً تمرد في الجيش عبر بعض الجنرالات، يريدون استغلال حالة التململ من طول مدة الحرب، فكان أن دفعوا بريفوجين للتمرد على أن يكون تمرده شرارة الانقلاب، وقد تكون بعض الاستخبارات الغربية مشاركة في المؤامرة، ولكن يبدو أن الاستخبارات الروسية كانت تعرف بالأمر، وتركت كل أطراف الانقلاب أن يرتكبوا خطأهم المميت، وتحركت ضدهم بكل القوة، مما أحبط المخطط في مهده، ولا أدل على ذلك من الإجراءات الاحترازية الشديدة والكبيرة التي تم اتخاذها مع اللحظات الأولى للتمرد، علماً أن هذه الإجراءات ذاتها تفيد في الاحتمال الأول أعلاه، أنها تعطي الكمين أبعاده الكاملة....
على كل الاحوال مصير قائد فاغنر ومن سانده من قادته قد حسم، وسيتم تحييدهم بالطريقة المناسبة قريباً....
أما عناصر فاغنر فسيصيرون تحت امرة وزارة الدفاع الروسية كأحد تشكيلاتها المقاتلة....
أما فيما خص الحرب في أوكرانيا فتوقعوا تصعيداً روسياً كبيراً ستكون وجهته كييف أو أوديسا...
وقد يطال التصعيد ماهو أبعد من اوكرانيا، حان الوقت لروسيا أن تنقل المعركة إلى أرض العدو، وان لاتكرر الخطأ الذي ارتكبته سوريا عندما لم تنقل المعركة لأراضي أعدائها، على بولندا ومولدافيا أن تتحسسا رأسيهما، وهاتان الدولتان لن تكونا سوى البداية.... قد نسمع الأخبار من داخل لندن أو برلين أو حتى واشنطن.....
ختاماً، وخلال الساعة التي توفرت فيها الكهرباء، أضحكني كم التحليلات الساذجة التي تابعتها عبر الكثير من القنوات، سواء من ضيوف القنوات أو من المحررين السياسيين في القنوات نفسها، وكانك تشاهد سيركاً فيه كم كبير من المهرجين الفاشلين....
تراهم - وعلى سبيل المثال - يبثون مراراً وتكراراً ذاك الخبر أن 5000 من عناصر فاغنر قد غادروا روستوف ويزحفون نحو موسكو....
نعم، تراهم يناقشون هذا الخبر، وكأن موسكو ستسقط خلال ساعات في أيديهم، حتى أنهم أقنعوا أنفسهم أن بوتين قد طلب من لوكاشينكو أن يتواسط عند قائدهم أن يسحبهم، والحقيقة أن بوتين طلب من لوكاشينكو أنه أخبر ذاك الأحمق أن يسحبهم، لأنني لا أريد إراقة دماء جنود روس، وأنه إن لم يفعل فسيكون رأسه هو الثمن....
ترى كم كان يحتاج إبادة هؤلاء؟ صاروخ S S 21 واحد، أم قاذفة استراتيجية واحدة؟...
في كل الأحوال هناك رجل في الكرملين الأن ذو عينين صغيرتين، ولكن نظراتها حادة، يناظر ماهو بعد بعد بعد كييف...