كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لا تزال الجزائر هدفاً لمؤامرة "الربيع العربي" المتواصلة

هادي دانيال- فينكس

ربّما يمكننا القول إنّ سيناريو تجريبياً لمؤامرة "الربيع العربي" جرى تنفيذه في الجزائر أواخر القرن المنصرم خلال ما يُسمّى العشرية السوداء التي كان خلالها الجزائريون يتوقعون أن تعترضهم كلّ صباح من تلك الصباحات الشاحبة جثّةٌ على هذا الرصيف أو رأسٌ مقطوعٌ على رصيف آخر، ومثل  هذه المشاهد أو أقلّ منها وحشيّة أو أكثر عرفتْها الدوَلُ التي استهدفتها مؤامرة "الربيع العربي" وفوضاها "الخلّاقة"، وخاصة سورية، وليبيا واليمن. ولئن مثّلت هذه العشرية لقاحا مُكلِفا للجزائر دولة وشعبا، إلّا أنّ ذلك لم يُخْرجْها من بنْكِ أهداف مؤامرة الدوائر الصهيو غربيّة وأدواتها الإقليمية المشرقية والمغاربية التي تقف وراء هذه الجرائم المستمرة. فالجزائر قوّة بشرية واقتصادية وعسكرية إقليمية وازنة، يسيلُ لعاب الغربِ أمام ثرواتها الطبيعية المتعددة والهائلة  كاحتياطيها من الغاز الطبيعي والنفط، على سبيل المثال لا الحصر، وهي لا تزال النموذج الباقي قائم الذات للدولة الوطنية ذات السيادة الفخورة بتراثها المناهض للاستعمار والرافضة لأيّ شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي سبق مؤامرة الربيع العربي أو انجرّ عنها، وهي الدولة التي تأخذ على عاتقها نقل الصراع العربي- الإسرائيلي بعد احتلال العراق وتدمير ليبيا واحتواء مصر والحرب الإرهابية المستمرة على سورية واليمن الأمر الذي جعل الدول المذكورة منشغلة قسراً بأوضاعها الداخلية عن دورها وواجباتها تجاه المظلمة الفلسطينية المستمرة منذ قرابة القرن. ويزيد في حنَقِ مهندسيّ مؤامرة "الربيع العربي" على الجزائر النموذج المضاد للمخططات الصهيوأمريكيّة أنّ محاولاتهم الحمقاء لجعل تونس نموذجا لديمقراطية مزعومة يقودها "الإسلام السياسي" الملطخة أيديه بدم ضحاياه في تونس وخارجها،  قد باءت بالفشل. هذا كله إلى جانب أنّ السيطرة الصهيو- أمريكية على الجزائر، التي لم ولن يكلّوا أو يملّو مِن السعي إليها، ستفتح أمام واشنطن وتل أبيب تحديدا أوتوسترادات طويلة وشاسعة لاجتياح القارة الأفريقية بأسرها على حساب ليس مصالح الصين وروسيا فقط بل وأساساً على حساب المصالح الوطنية لجميع شعوب ودُوَل القارّة السمراء.

وواقع الحال أنّ محاولة إحاطة الجزائر بالجماعات الإرهابية التكفيرية التي لم يَعُد خافيا ارتباطها المباشر بالمخابرات الأمريكية، وكذلك بجماعات المنظمات غير الحكومية و"المجتمع المدني؟" التي يجري حشدُها وتدريبُها وتمويلها وتأليبها  استعدادا لسيناريو مُعادٍ للجزائر قد يكون تحت ذريعة محاربة الإرهاب أو ذريعة انتهاك حقوق الأقليّات.. إلخ، هذه المحاولة تُبقي الخطرَ  قائما على الرغم من ثقتنا بقدرات الدولة الجزائرية وجيشها الوطني، خاصة وأنّ عينيّ النمر الأمريكي احمرّتا على الجزائر التي رفضت أن تصوّت ضدّ روسيا مؤخّرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة  ، ناهيك عن أنّ 27 عضوا من الكونغرس الأمريكي وجهوا رسالة إلى وزير خارجيتهم "أنتوني بلينكن" يطالبون بها فرْض عقوبات على الحكومة الجزائرية بسبب "تنامي العلاقات الوثيقة بين الجزائر وروسيا" وتوقيع صفقات بيع أسلحة روسية للجزائر بقيمة 7مليار دولار. فهل ثمة صفاقة أوضح وأقبح من هذه الصفاقة الأمريكية التي تتدخّل في شأن سيادي جزائري، بعد أن اعتادت على أن تنصاع لها دوَل في الغرب والشرق فتملي واشنطن على تلك الدول المنصاعة سياساتها الداخلية والخارجية، وبالتالي واشنطن هي التي تقرر مَع مَن تقيم تلك الدول علاقاتها وتوثقها ومَع مَن تقطعها، وهذا السلوك الأمريكي هو الذي أبقى العلاقات مقطوعة بين تونس ودمشق على الرغم مما شهدته تونس من تبدّل الرؤساء والحكومات بل والمنظومات السياسية خلال دزينة السنوات الأخيرة؟!.

ولا يغيب عن الذهن أنّ هذا التسخين الصهيوأمريكي ضدّ الجزائر التي تحاول الوصول إلى مصالحات عربية-عربية محرّمة صهيو أمريكيّاً، والتي رفضت أيضا الانخراط في سيناريوهات غربيّة ضد روسيا، كأن يكون الغاز الجزائري أحد بدائل استغناء أوربا عن الغاز الروسي، إبّان الحرب الأوكرانية، هذا التسخين يأتي أيضاً عشية انعقاد القمة العربية في بلد مستقل ذات سيادة، تخشى واشنطن أن تنعكس مواقفه الوطنية المستقلة المتعلقة بالحق الفلسطيني والصراعات الإقليمية والدولية بما في ذلك الحرب الأوكرانية على قرارات القمة العتيدة.