كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

محطّات في الذاكرة: السياسي والصحفي في سورية.. علاقة مقطوعة منذ الستينات! بقلم عماد نداف

تعتزم صحيفة فينكس, نشر محطّات في الذاكرة, تباعاً, مع قامات سوريّة وعربية..
هذه المحطّة, يكتبها الكاتب والصحفي الأستاذ عماد نداف..

 

انتبهت إلى أهمية المسألة، في بيروت عام 1980، وعرفت أني على حق بعد أكثر من ثلث قرن، وتحديدا في شباط عام 2016، عندما أجاب رئيس الحكومة السورية الدكتور وائل الحلقي على طلب تمديد خدمتي سنة بعبارة: يتعذر ذلك!

معه حق، فهو لايعرفني ولايريد أن يتابع الاعلام السوري على مايبدو!

في ذلك العام في بيروت، كنت صحفيا شابا أقوم بتغطية المؤتمرات الصحفية، وأكتب أخبارا و تقارير عنها لواحدة من المجلات الفلسطينية المعروفة، وعند الصباح، وباعتبار أننا سوريان، كلفني رئيس التحرير أن أقوم أنا والصحفي الصديق عز الدين عز الدين، بتغطية مؤتمر صحفي للحزب الشيوعي السوري، وكانت أزمة هذا الحزب قد أخذت بعدا محليا وإقليميا ودوليا كبيرا، وتدخل فيها السوفييت بقوة، دون فائدة، فقد انشق الحزب الشيوعي السوري إلى جناحين كبيرين: جناح خالد بكداش، وجناح رياض الترك الذي عرف فيما بعد بجناح المكتب السياسي.

كان هناك كتلة سياسية اسمها الثلاثي، كانت مع أفكار وطروحات المؤتمر الثالث، لكنها حسمت أمرها وبقيت مع جناح خالد بكداش، وأبرز قادة هذه الكتلة هو ((دانيال نعمة))، وكان على رأس وفد جاء إلى بيروت يشارك فيه يعقوب غرو ونبيه ارشيدات ليشرح نتائج المؤتمر الجديد للحزب في مؤتمر صحفي.

في هذا المؤتمر رحب دانيال نعمة بالصحفيين، وخصنا أنا وعز بالاسم لأنه كان يعرفنا، فلفت انتباه بقية الصحفيين إلينا، وأشعرنا بأهميتنا أمامهم، بل إن تعارفا نشأ مع بعضهم نتيجة هذه الإشارة.

مضى على ذلك وقت طويل، وفي هذا الوقت الذي مر، لاحظت أهمية تلك الحادثة في كل يوميات المهنة التي نشتغل فيها، لكن الصدمة كانت عام 2016 مع قرار رئيس الحكومة كما أشرت، وللأسف، فإن السياسي السوري لم يكن يهتم أبدا بالصحفي السوري، فهو موظف كما وصفه وزير الإعلام السابق الدكتور محمد سلمان وهو يرد على الكاتب الصحفي حسن م.يوسف قبل أكثر من عقدين، وهو عرضحالجي كما يعامله رؤساء التحرير عندما يطلبون منه قولبة الخبر وتزويره أحيانا ليتناسب مع سياسة اللحظة التي يكتب فيها، وهو أعمى عندما تحبسه الصحف في غرفة التحرير لايسافر ولايذهب ولايقوم بأي مهمة لأن ذلك حصرا بالمديرين العامين، وهو مرتش كما قال لي أحد الأصدقاء الذي قرأ على طاولة أحد الوزراء قائمة بأسماء الصحفيين الذين يقبضون مكافآت شهرية بقيمة توازي ثمة علبة محارم بسعر هذه الأيام!

إذا، الصحفي عندنا ((ليس صحفيا)) حسب ميثاق مهنة الصحافة التي يمثل ميثاق الكرامة والاباء والانتماء عند السوريين، هو خارج المهنة، تماما كما هو الأحمق خارج اللوغوس، كما يقول فوكو.. بل هو يلفق على الصحافة فيصبح خارجها، وهذا لايسيء إلينا لأنه كان واقعا بنسبة كبيرة، بقدر ما ينبهنا إلى أن أهم خطوة يجب أن تتجه إليها الصحافة هي: ((بناء الصحفي بمهاراته وانتمائه لوطنه وحرية الكتابة فيه))..

بعد أكثر من عقد كامل من عودتي من بيروت، كان لابد من أن أستمر في المهنة في بلدي، وكان مدير الأخبار نبيل شنار قد كلفني بالمهمة، فقد انتهى اجتماع وزراء خارجية دول الطوق لتنسيق مواقف الوفود العربية إلى مفاوضات السلام مع إسرائيل. كان الاجتماع في فندق ((شيراتون)) دمشق. وكان الصحفيون السوريون يعملون بدأب كغيرهم لتغطية الحدث، وفجأة تم اتخاذ قرار بسفر الوفد إلى القاهرة، عرفت به وأنا أجري لقاء مع السيد فارس بوزير وزير خارجية لبنان آنذاك في جناحه. سمعت السيد بويز يقول: يسافر الصحفيون اللبنانيون على طائرتي!

أنا أعطيت الخبر، ولكني شعرت كم هو مصاب بالخصاء، فقد سافر الوزراء، وسافر بويز مع صحفيي لبنان، وبقينا نحن: لا أحد يعرفنا، ووزيرنا لايهتم بسفرنا ولاببقائنا. العادة أن يأتي الخبر من ((سانا))، وكفى الله الصحفيين شر السفر والاستقصاء!

بعد أيام قال لي رئيس فترة أخبار المساء في سانا أن تعويض تغطيته للمؤتمر بلغ 62 ليرة سورية!

                                           ****

مضى على ذلك وقت طويل، عرف فيها السوريون أن الصحافة السورية لاتقرأ وأنها لاتهتم بمتابعة مايجري، وأن الواقع القديم الذي يقول إذا أردت أن تعرف ماذا في سورية افتح على راديو لندن.. بعد أن عرف السوريون ذلك، وبعد أن تطور الإعلام وصارت المحطات الأخبارية تنقل من موقع الحدث ولو تحت الأرض.. بعد ذلك راح السوريون يشاهدون الجزيرة والعربية والبي بي سي وسكاي نيوز..

لذلك يبدو معهم حق أن لايعرفوا أسماء الصحفيين السوريين، طالما هم لايعرفون أسماء النواب في مجلس الشعب..

أنا أقول ذلك، لكي لايظن أحد أنني أحقد على السيد رئيس الحكومة الذي علق على كتاب وزير الإعلام بالتمديد لي:

((يتعذر ذلك))

لأنه بالتأكيد لم يقرأ أو يسمع اسمي في الإعلام السوري!!