كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

اتفاق السادة المهذبين

مروان حبش- فينكس

كان اتفاقاً لم تُصغْ نصوصه أو تُدون، وعُرِف بـ (اتفاق السادة المهذبين) كانت كنيسة روما بمقتضاه، في أثناء ثرائها واطمئنانها، على سلطتها، تسمح بقسط وافر من حرية التفكير للفئات المفكرة، على شريطة ألاَّ تحاول هذه الفئات اضعاف إيمان الناس أو خلق التشكيك والاضطراب فيه، لأن هذا الإيمان هو الخيال الذي لا غنى عنه لمصدر نظامها واستمرار سطوتها، فلما شرع اتباعها أنفسهم ينبذون عقائد الكنيسة وسلطانها عليهم، ولمَّا كسب الإصلاح الديني أنصاراً له معتنقين مبادئه في "عقر دارها" إيطاليا نفسها، أوشك صرح الكثلكة كله أن يتصدع من أساسه، فأجابت الكنيسة على هذا وكانت تعتبر نفسها دولة، فسلكت كما تسلك كل سلطة قهرية يتعرض كيانها للزوال، وبدلن خطتها من التسامح والحرية إلى تحفظ الخائف المرتاع وفرضت قيوداً شديدة على التفكير، والبحث، والنشر، والتعبير. وكانت السيطرة الاسبانية على روما تفرض الآراء السياسية والدينية، وكان لها باعٌ كبير في تحويل كثلكة عصر النهضة المتسامحة إلى تزمت صارم للكنيسة سلكت به والتزمته بعد مجلس "ترنت 1545- 1563"، وسار البابوات الذين جاؤوا بعد "ثورة الألبيجنسيين الدينية" المتهمين بالهرطقة في جنوب فرنسا وشمال إيطاليا والمانيا وبعض الولايات البابوية وهددت سلطان الكنيسة، وبعد البابا "كليمنت السابع 1478-1534"، على السنَّة التي سار عليها الاسبان وهي توحيد الكنيسة والدولة واستخدام القوة الناشئة من هذا الدمج في السيطرة الصارمة على الحياة الدينية والفكرية من خلال محاكم التقتيش ولما لم يكن للمقاومة الفردية المتقطعة من جدوى أو أثر فعَّال لذلك انتصر الطغيان، واستحوذت على روح الجماهير نزعة من التشاؤم، والاستسلام، بدل المجد الذي زال، والحرية التي كانت وانتشر الفساد السياسي، والجريمة الوحشية المنظمة، وازداد التعذيب كمَّاً ونوعاً كوسيلة لانتزاع الاعترافات حسب ما يريده الجلاد.