كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الديانة المندائية "الناصورانية"

مروان حبش- فينكس

كان الصابئة المندائيون منذ زمن قديم يسكنون مناطق عديدة على جغرافية ما بين النهرين، لكنهم استقروا أخيراً في جنوب العراق وعربستان (الأحواز)، وبسبب الحروب والمنازعات هاجروا وانتشروا على عديد من دول العالم، ويبلغ إجمالي عددهم حوالي مائة ألف نسمة، أما عدد الذين لايزالون في العراق فيبلغ حوالي ستة آلاف، وفي عربستان حوالي ثلاثة ألاف.
الصائبة المندائيون جزء لا يتجزأ من المجتمع العراقي منذ القدم، وكلمة الصابئة مشتقة من الفعل الارامي – المندائة (صبا) ويعني "تعمد" في الماء، أما كلمة (المندائي) فهي مشتقة من المصدر "مندا" وتعني "المعرفة" وبذلك يكون معنى "الصابئة المندائيون" المتعمدين العارفين بالحق. واللغة المندائية هي إحدى لهجات اللغة الآرامية، ودونت بها الكتب والمخطوطات الدينية المندائية، وكذلك فإن جميع الطقوس الدينية تقام بقراءة النصوص بها حتى الآن. وتُعد الديانة المندائية جزءًا مهمًا من التراث الديني والثقافي للمنطقة، ورغم التحديات التي تواجهها، فإن أتباعها يسعون للحفاظ على تقاليدهم وتعاليمهم.
الديانة المندائية هي ديانة قديمة تعود جذورها إلى منطقة بلاد الرافدين، وتعتبر واحدة من الديانات الغنوصية. وتُعرف أيضًا بـ "ديانة النور" حيث يعتقد أتباعها في وجود قوة عليا تُدعى "الحي العظيم"، ويدعون إلى عبادة النور. ويُعْتقد أنها نشأت في القرون الأولى الميلادية، وقد تأثرت بالعديد من الثقافات والأديان المحيطة بها.
- المعتقدات الأساسية: يؤمن الصابئة المندائيون بوحدانية الله والملائكة واليوم الآخر، وأركان الديانة هي التوحيد والتعميد والصلاة والصوم والصدقة، وهي ديانة روحانية لا تؤمن بالماديات. ويؤمنون بأن "آدم" هو أول أنبيائهم، والثاني هو "شيت" وثالث أنبيائهم هو "سام بن نوح"، وآخرهم هو "يحيى بن زكريا".
1-. الإله والكون: يؤمن المندائيون بوجود إله واحد هو "الحي العظيم"، الذي يُعتبر مصدر النور والحياة.
2-. النور والظلام: يُعتبر النور رمزًا للحياة والمعرفة، بينما الظلام يمثل الجهل والشر.
3- الروح: يعتقد المندائيون أن الروح البشرية هي جزء من النور الإلهي، وتعود إليه بعد الموت.
- النصوص المقدسة:
للصابئة المندائية كتب مقدّسة خاصة بهم، أُنزلت على الأنبياء السبعة وفق معتقدهم، من آدم إلى يحيى، وتندرج في ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى للتعاليم الدينية الأساسية، المجموعة الثانية للمراسيم والطقوس الدينية، والمجموعة الثالثة للمعرفة والعلم والتاريخ. وكتاب "الكنزا ربا" ويعني "الكنز العظيم"، يُعتبر الكتاب المقدس الرئيسي لهم، ويتضمن تعاليم دينية وأساطير وهو قسمان: 1-صحف "آدم، وشيت أو شيتل، وسام.2 - صحف تشرح الطقوس والعقائد، وحكم ومواعظ يحيى بن زكريا. وهناك نصوص أخرى تُعتبر مهمة أيضًا مثل "كتاب الهدنة"..
أركان الديانة الصابئية
الديانة الصابئية المندائية، هي من أقدم الديانات التي ظهرت في الشرق القديم، وهي ديانة غير تبشيرية، تأثرت بالأديان الإغريقية، والفارسية، واليهودية، وآخرها المسيحية وفيها من بقايا الوثنية. وتقوم على خمسة أركان أساسية هي:
1-الشهادة والتوحيد
1-الشهادة والتوحيد (سهدوثا اد هيي) وهي الاعتراف بالحي العظيم (هيي ربي) خالق الكون، واحد،
والله واحد، الله أحَد.
والتوحيد في الدين الصابئي، يعني أن الله مسبح اسمه مَحَل عبادتهم، ومَحل طاعتهم وولاءهم له، هو (ذات واحدة ) لا شريك لها في قدرتها وقرارها وقضاءها، والإيمان بقدسيته، الله الرب العلي سبحانه هو ملك الأنوار العلي لكل العوالم الذي كله نور، كله تقن، كله حياة، كله حق، كله رحمة، كلّه غفران، كله بصر، كله حسن وجمال، كله معرفة وجلاء وعلم، كل أسمائه جلال ووقار
حارَبَ الدين الصابئي الشِرك مطلقاً، والشِرك كما هو ثابت، وفسره المختصون، هو اقتران عبادة الله بعبادة غيره من أصنام أو أشجار أو حيوان أو قبور أو كواكب ونجوم، أو قوى طبيعيّة أو الزعم والادعاء بأنّ لله الحّي المزكّى أب أو أخ أو بنين وبنات، لا شريك له بملكه ولا منازع له في عرشه وسلطانه.واحد الأحد.
2- التعميد "الصباغة":
الصباغة "مصبتا" يعتبر من أهم أركان الديانة الصابئية واسمهم مرتبط بهذا الطقس وهو فرض عين واجب على الصابئي ويرمز للارتباط الروحي بين العالم المادي والروحي والتقرب من الله. و هي طقس الدخول من العالم السفلي إلى العالم العلوي (عالم النور).
قال الله الحي القيوم مسبح اسمه في كتابه الكنز العظيم "جنزا ربا"، باسم الحي العظيم:
- اصبغوا نفوسكم بالصبغة الحية التي أنزلها عليكم ربكم من أكوان النور، والتي اصطبغ بها كل الكاملين المؤمنين.
- من وسم بوسم الحي، وذكر اسم ملك النور عليه، ثم ثبت وتمسّك بصبغته وعمل صالحاً، فلن يؤخّره يوم الحساب مؤخّر.
ويجب أن تتم الصباغة في المياه الجارية والحية لأنه يرمز للحياة والنور الرباني. وللإنسان حرية تكرار الصباغة متى يشاء حيث يمارس في أيام الآحاد والمناسبات الدينية وعند الولادة والزواج أو عند تكريس رجل دين جديد.
3-الصلاة
الصلاة "ابراخا": وهي فرض واجب على كل فرد مؤمن يؤدى ثلاث مرات يوميا (صباحا وظهرا وعصرا) وغايته التقرب من الله. حيث ورد في كتابهم المقدس {وأمرناكم أن اسمعوا صوت الرب في قيامكم وقعودكم وذهابكم ومجيئكم وفي ضجعتكم وراحتكم وفي جميع الأعمال التي تعملون}، ويختلف الصابئة عن غيرهم من الأديان بعدم وجود صلاة جماعية. والصلاة هي عِماد الدين الصابئي، الذي لا يقوم إلاّ بقيامها. وهي من أول الواجبات من العبادات التي كلف الله الحي المزكى بها الإنسان الصابئي. وقد "أمر الله الهيّي ربّي مسبح اسمه الصابئة بالقيام بها والمحافَظة عليها".
باسم الحي العظيم:
(مع انفلاق الفجر تنهضون، وإلى الصلاة تتوجهون، وثانية في الظهر تصلّون، ثم صلاة الغروب، فبالصلاة تتطهر القلوب، وبها تغفر الذنوب).
وللصلاة أوقاتا مّحَددة يجب على الصابئي أن يُؤديّها فيها ولا يجوز له شرعاً تأخيرها، ولا يجوز الجَمع بين صلاة وأخرى في وقت واحد، أو القيام بالصلاة التي سَها الصابئي، القيام بها في وقتِها المُحَدّد. وهي:
- صلاة الصُبح : من انفلاق الفجر وحتى طلوع الشمس
- صلاة الظهر : يبتدئ من زوال الشمس عن وسط السماء.
- صلاة العصر: قبل غروب الشمس.
يتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم ولدى ممارستهم لشعائرهم الدينية نحو جهة الشمال لاعتقادهم بأن عالم الأنوار (الجنة) يقع في ذلك المكان المقدس من الكون الذي تعرج إليه النفوس في النهاية لتنعم بالخلود إلى جوار ربها، ويستدل على اتجاه الشمال بواسطة النجم القطبي.
4-الصيام
الصيام في الدين الصابئي عِبادة، وعندهم أن الله الحي القيوم شَّرع الصيام، ليهذّب (النفس : النشماثا) وعلى الصابئي أن يحذر من الأعمال التي تخدش هذا الصوم من قبل نفسه، حتى يتحقق الغرض والهدف من الصيام. باسم الحي العظيم: (صوموا الصوم الكبير، صوم القلب والعقل والضمير، لِتَصُم عيونكم، وأفواهكم، وأيديكم.. لا تغمز ولا تَلمز * لا تنظروا إلى الشّر ولا تَفعلوه، والباطل لا تسمعوه ....).
والصيام (صوم ربّا) عن تناول الأطعمة والأشربة، فهو مقصور على الامتناع عن تناول تناول اللحوم، بأيام محددة ومسماة، ومذكورة، وعددها ثلاثة وثلاثون يوما، موزعة على أيام السنة، وهي تسبق الأعياد الدينية، أو تكون بعدها، ويطلق عليها المبطلات، وهي مبطلات خفيفة، ومبطلات ثقيلة، وموزعّة بالشكل التالي : شهر شباط الصابئي : (أول ستوا): خمسة عشرة يوما صيام، بعد العيد الكبير (عيد رأس السنة الصابئية : عيد الكراص)، شهر آدار الصابئي (ميصاي ستوا): يوم واحد صيام، شهر أيار الصابئي (أول بهار): أربعة أيام صيام قبل العيد الصغير، شهر تمّوز الصابئي : (آخر بهار): ثلاثة أيّام صيام، شهر أيلول الصابئي : (ميصاي گيطا) خمسة أيام صيام، قبل عيد الخليقة (بَنجا)، شهر تشرين الصابئي (آخر گيطا): يومان بعد العيد، شهر كانون الصابئي (ميصاي بايز) يوم واحد، بعد: عيد صباغة النور، شهر كانون الثاني (طابيت : أخير بايز) يومان صيام، قبل العيد الكبير
أما الصوم الكبير (صوما ربا) فهو الامتناع عن كل الفواحش والمحرمات وكل ما يسيء إلى علاقة الإنسان بربه ويدوم طوال حياة الإنسان. حيث جاء في كتابهم: (صوموا الصوم العظيم ولا تقطعوه إلى أن تغادر أجسادكم، صوماً كثيرا لا عن مآكل ومشرب هذه الدنيا.. صوموا صوم العقل والقلب والضمير).
5- الصدقة أي «زدقا»: باسم الحي العظيم: إن الصدقة واجبة على كل صابئي: (أعطوا الصدقات للفقراء واشبعوا الجائعين واسقوا الظمآن واكسوا العراة لان من يعطي يستلم ومن يقرض يرجع له القرض، وإن وهبتم صدقة أيها المؤمنون، فلا تجاهروا إن وهبتم بيمينكم فلا تخبروا شمالكم، وإن وهبتم بشمالكم فلا تخبروا يمينكم، وكل من وهب صدقة وتحدث عنها كافر لا ثواب له).
المحرمات: للصابئة محرّمات أهمها الكفر والتجديف باسم الخالق، وعدم أداء الفروض الدينية، والسحر، والارتداد عن المعتقد. كذلك يُحرّم الختان والتغيير في خلقة الله، وشرب الخمر وكل منقوع من الفاكهة مضى عليه 24 ساعة لاحتمال فساده بالتخمير. كما يُحرّم تلويث الطبيعة والأنهار، والإجهاض والانتحار وتعذيب النفس والعمل يوم الأحد على أهل الميت والندب والبكاء والحزن على الميت، فالموت مدعاة للسرور، ويوم المأتم هو أكثر الأيام فرحًا. ويحّرم الدين الصابئي الزواج من غير الصابئة: "ولا تتزوجوا بغير الصابئيات".
الأعياد
للصابئة أعياد مختلفة تمامًا عن أعياد المحيط الذي يعيشون فيه، وهي: العيد الكبير أو «دهوا ربا»، وهو عيد رأس السنة المندائية ومدته يومان. العيد الصغير أو «دها هانينا»، أي عيد الأزهار، ومعناه ظهور الحياة على الأرض بأمرٍ من الخالق ومدته يوم واحد. عيد التعميد الذهبي وهو عيد تعميد النبي يحيى ومدته يوم واحد، عيد المصبتا الذهبي ويصادف اليوم الثاني والعشرين من الشهر الحادي عشر للسنة المندائية وفيه تمّ تعميد الملاك هيبل زيوا للأنبياء آدم، شيت، سام ويحيى يها يهان. عيد الخليقة أو«البارونايا» ويتألف من خمسة أيام. وتعتبر الميتولوجيا المندائية أنّه في تلك الأيام ولد آدم وحواء أول البشر، وسكنا الجنة قبل أن يقذف بهما الحي العظيم إلى الأرض بعد الخطيئة، من طقوسه، لبس ثوب «الرثة المندائي»، والتعميد بالماء الجاري وتحضير الطعام للفقراء.
التوبة في الدين المندائي: (لا تعترضوا على أمر ربكم، وكونوا صالحين وادعين متواضعين * ولتكن فيكم التوبة، وتحلّوا بالحنان والتسامح والرحمة إنها من طبيعة النور، ومن أخطأ ثم تاب، ثم إلى رشده ثاب، فإن الله غفورٌ رحيم، هو ملك النور الحنان التوّاب الكريم).
المرأة في الدين المندائي: يؤكد الدين الصابئي المندائي على أهمية المرأة، فالرجل والمرأة صنوان متماثلان ومتساويان، فأعظم معجزة إلهية، وهي "معجزة الخلق" وينص كتاب "كنزا ربا المقدس" إن الخالق العظيم الذي "انبعث من ذاته" وبأمره وكلمته تكونت جميع المخلوقات، كما خلق "آدم وحواء" بقدرته وقوته، وجعل المرأة رمزاً للنماء والتكاثر وهي مساوية للرجل بالحقوق والمكانة الاجتماعية.
للصابئة المندائية شعار ومعبد، يسمى شعارهم الديني «الدرفش» وتعني باللغة الفارسية العَلَم وهو صليب مصنوع عادة من الخشب، ملقى على خشبته الأفقية قطعة قماش بيضاء. يتوسط الصليب عند التقاطع أغصان من شجيرات الريحان (الآس). ويسمى معبد الصابئة "المندى" الذي يحوي كتبهم المقدسة. يقام «المندى» عادة على ضفاف نهر مع وجوب اتصاله بالماء الجاري عبر قناة خاصة به، وله باب واحد من الجهة الجنوبية حصرًا لكي يستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي، وتقام الطقوس في معابد خاصة تسمى "مندى" أي بيت المعرفة، وعادة ما تكون هذه المعابد على ضفاف الأنهار الجارية
ويعتبرون المياه الجارية منزلة من الحي العظيم لإعمار وتعمير وانتعاش الأرض، هي متعلقة بعقائد الديانة وأداء الطقوس وهم يرتدون الثياب البيضاء أثناء الطقوس تيمناً بثياب النبي يحيى التي تمثل النور والضياء، ويحمل رجال الدين منهم عصا من شجرة الزيتون المقدسة لتأدية الطقوس. والمندائيون، يحرمون المساس باللحى وشعر الرأس، بسبب إيمانهم الكامل بأن النفس موجودة في الرأس، ولذا وجب على المندائي تقديس مكان وجود نفس الحي العظيم. ولأسباب اجتماعية اقتصر إطلاق اللحى والشوارب وشعر الرأس على رجال الدين.
التحديات المعاصرة:
يُعتبر المندائيون مجموعة عرقية ودينية متميزة، ويحافظون على تقاليدهم وثقافتهم رغم التحديات، ويسعى المندائيون للحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية.