كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الفكر الإستراتيجي ومعظلة غياب الإرادة!

البشير عبيد- تونس- فينكس

مثلما أكدت الأحداث في كل أقاليم الكون إن الأصابع المرتبكة لا تستطيع صنع التاريخ وإحداث منعطفات كبرى في مساراته، نظراً لفقدان الجسد الحامل لهذه الأنامل فكراً مستنيراً و رؤية معرفية لكل شؤون الحياة، بإمكاننا التأكيد أن الأيادي المرتعشة لا ولن تستطيع أن تذهب بعيداً وتخترق الحواجز والاشتباك مع المفاهيم والتصورات المختلفة بل المتناقضة مع قيم الحرية والتحرر والانعتاق ومواجهة قوى الاستبداد والاستغلال والظلامية سواء كانت أنظمة سياسية أو حركات أو تيارات...
الأيادي المرتعشة ليست لها علاقة بميكانزمات و تحريك المياه الراكدة لأنها تفتقد الجرأة و الفكر الاستراتيجي والرؤية المعرفية العميقة والشاملة...
كل المحاولات التي عرفتها الشعوب الطامحة للتحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي، وإن إتسمت بجسارة أصحابها و شجاعتهم النادرة، إصطدمت بالشروط الموضوعية التي صارت بمثابة الصخرة الصماء التي تكسرت عليها طموحات أجيال متعاقبة من المكافحين الأحرار الحالمين بأوطان تسود فيها قيم المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية وعلوية القانون....
الشروط الموضوعية التي نقصدها هي التحالفات والتكتلات السياسية والاجتماعية المتناقضة جوهراً وموضوعاً مع أي مشروع وطني تحرري مناهض للسياسات النيوليبرالية التي ليس في اجنداتها رفاهية، وتقدم الشعوب هنا أو هناك من أقاليم الكون...
لن نأتي بالجديد إذا قلنا إن هذه المشاريع الوطنية التحررية ذات الأفق الديمقراطي الإجتماعي والتنوير الفكري والثقافي، عادة ما تأفل وتسير الى الانحدار. إضافة الى الأسباب الموضوعية الناتجة عن طبيعة الصراع الشرس بين قوى متناقضة في الأسس الفكرية والايديولوجية، فإن لهذا الانحدار الوارد حدوثه في أي لحظة نظراً لطبيعة التوازنات وموازين القوى والمصالح المتشابكة بين الأطراف السياسية والاجتماعية المتصارعة.. هذا ما قصدناه بالشروط الموضوعية، لكن الإشكال الجوهري والمركزي في عملية تفسير وتفكيك العناصر المكونة لهذا الانحدار يتمثل أساساً في المسألة الذهنية والأبعاد الاستراتيجية للصفوة والقادة المباشرين لعملية تأسيس المشروع الوطني الديمقراطي الاجتماعي المنحاز فكراً ومنهجاً وعقيدة ودربا كفاحياً لا يلين ولا يهدأ مع مشاغل وشواغل والقضايا المصيرية والطموحات المشروعة للشعوب الطامحة للتحرر والإنعتاق وكنس سياسات الاستبداد والاستغلال ورميها في مزابل التاريخ بكل شجاعة، وكتابة سطور مضاءة بمصابيح الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية... هنا وصلنا الى مربط الفرس مثلما يقول العرب القدامى: كيف ستتصرف القيادة المركزية و صفوتها الأولى المؤتمنة على تسيير المركب و القافلة
بعيداً عن الأجندات الإقليمية والدولية المتناقضة جوهراً وموضوعاً مع طموحات الشعوب وقضاياها المصيرية.... هذا هو السؤال الحارق لكل الأوراق.....!
إن المنعطفات التاريخية الكبرى، لا تقوم بها الأيادي لمرتعشة مع خصوم شرسين، بل تصنعها السواعد
التي تحركها رؤى استراتيجية في السياسة والاقتصاد و الفكر و الثقافة و الاجتماع... و لنا امثلة نيرة قامت بإدارة الصراع مع القوى المناهضة لمشاريع التحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي وفرض السيادة الوطنية على أرض الواقع، بحكمة و حنكة و دهاء نادر.
...الزعماء الراحلون جمال عبد الناصر و الهواري بومدين، وفي السنوات الأخيرة شافيز وخليفته السياسي اليساري الثوري المحنك المتسم بالشجاعة والدهاء والديبلوماسية وقت اللزوم وفق متطلبات المرحلة وما تفرضه من تكتيك واستراتيجيا في الآن نفسه... هذا ما ننتظره من قيادات عربية لمشاريع التحرر الوطني... لا سبيل للخروج من أي مازق سياسي واقتصادي و احتماعي سوى الأسلحة برؤية ثاقبة وبعيدة المدى وأن لا تكون الأيادي مرتعشة...