كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حلف فضول الديانات

مجلة تعايش المقالات حلف الفضول

كيف ننشيء حلف فضول عالمياً بين الديانات والثقافات؟
 د. جورج جبور- فينكس:
سررت يوم (10 –10 –2018) حين تلقيت مكالمة من محمد وردي، ولم أكن قد عرفته من قبل، ليعلمني فيها بنشاطات "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، وبتبني المنتدى عقد ملتقاه الخامس، أواخر هذا العام، تحت عنوان: "حلف الفضول.. فرصة للسلم العالمي".
قفزت الذاكرة إلى الماضي البعيد، حينما أطلقت جامعة الدول العربية، إثر حرب تشرين المجيدة، برنامجاً توافقت عليه مع الاتحاد الأوروبي، هو: "الحوار العربي – الأوروبي". كان البرنامج غنياً بفرص تبادل الرأي؛ ليس في الشؤون السياسية والاقتصادية فقط؛ بل في الشؤون الثقافية والفلسفية والدينية معاً.
في إحدى جلسات الحوار بالغ أحد الأكاديميين الأوروبيين في تبيان عمق الفرق في النظرة إلى حقوق الإنسان بين العرب والأوروبيين، ليس في أيامنا هذه فقط، بل في تاريخ كلّ من حضارتينا. هو فرق رآه الأوروبي لصالح ثقافته بالطبع؟!.
لم أنكر في ردي تردي حالة حقوق الإنسان في مجتمعاتنا العربية المعاصرة، لكنني اعترضت على ما زعم من غياب فكرة حقوق الإنسان عن تاريخنا. وفي الذاكرة أنني أطلقت في تلك الجلسة فكرة أنّ "حلف الفضول" هو الجدّ الأعلى لمنظمة العفو الدولية الشهيرة بدفاعها عن حقوق الإنسان. ثم كانت ظروف سنحت لي بلقاءات مع المدير العام لليونسكو عام 1989، وهو آنذاك السيد فيديريكو مايور. لم يغب حلف الفضول عن حديثي إليه، وأنا أحثّه على إخراج "حقوق الإنسان" من محبس الغرب؛ لتنطلق "اليونسكو" بتلك الحقوق إلى آفاقها العالمية الأرحب.
وما إن أعلن اعتزام الأمم المتحدة على عقد مؤتمر عالمي عن حقوق الإنسان في فيينا، صيف 1993، بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لصدور الإعلان العالمي، حتى صممت أن يكون حلف الفضول من شهوده ومن المشهود له فيه. نشرت في جريدة "الثورة" السورية (21 – 1 – 1993) مقالاً موجزاً، أُعلن به أنّ حلف الفضول أوّل هيئة لتنظيم الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، وأنّ على مؤتمر فيينا أن يذيع هذه الحقيقة. كتب لي الدكتور بطرس بطرس غالي – وهو آنذاك الأمين العام للأمم المتحدة والشخصية القائدة الأولى في المؤتمر – كتب مؤيداً ومقترحاً أن تتقدم بالطلب إحدى الهيئات العربية المهتمة بحقوق الإنسان. خاطبت هيئات عربية عدّة. تلكأت. في الفكرة قوة لا تقوى على حملها هيئات عربية لحقوق الإنسان لم تبرهن على جرأة في الفكر وفي العمل. تحمست سورية للفكرة. وأبلغت بأنني سأكون مستشاراً للوفد السوري إلى فيينا، وأنّ السفر بعد ساعات. ثم قبل خروجي من المنزل إلى المطار بدقائق؛ أبلغت أنّ مشاركتي قد ألغيت. كان ذلك قبل ربع قرن.  معاصرو الحادثة – في معظمهم -- قد انتقلوا إلى رحمة الله. منهم من هو مستمر على قيدها، قيد الحياة. إنه المتحمس للفكرة المستنكف عن سهره لإتمام رحلتها إلى فيينا، الصديق الأستاذ فاروق الشرع، وزير الخارجية السورية السابق. وكم جميل منه أن يتقدم فيشهد بما يتذكر. غبت عن مؤتمر فيينا، وغاب عنه معي حلف الفضول.
استرسلت، وكيف لثمانيني حدثه متكلم من الإمارات، لم يلتقه من قبل، عن حلف الفضول، وزين له أن يكتب عن خبراته في مجال التعريف به، كيف له ألا يسترسل؟ يطول حديث الخبرات والطرائف في مسيرتي مع حلف يشرفني أنني بذلت في سبيله الطويل من الوقت والبالغ من الجهد. إلا أنّ الملتقى الخامس للمنتدى إنّما يعقد تحت عنوان: "حلف الفضول.. فرصة للسلم العالمي". فماذا لدي عن موضوع الملتقى؟
تنشر مجلة "تعايش"، إلى جانب مقالي هذا، مقالاً لي ظهر في جريدة سورية أوائل الشهر التاسع من عام 2017. كان هدفه تصحيح كلمات عن الحلف صدرت في الشهر الثاني عشر من عام 2007، عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان؛ بمناسبة بدء العقد السادس للإعلان العالمي. يختتم ذلك المقال بهذه الكلمات: "علينا إبداع حلف فضول عالمي". كان ذلك شعار حملتي للفوز بمنصب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة. ربما أن هذا الشعار ساعد في تقوية تيار عالمي رأى من الضروري إخراج المنصب من احتكار مواطني الثقافة الغربية له. لم أفز. فازت القاضية من جنوب أفريقيا، وتبعها حفيد من أحفاد أحد عاقدي حلف الفضول، وأشير إلى السيد زيد الحسين. أما الآن فقد عاد المنصب إلى أمريكا اللاتينية، وهي مكون من مكونات الثقافة الغربية.
كيف يكون إبداع حلف فضول عالمي؟ الأفكار كثيرة والاسترسال في شرحها سهل متيسّر. إلا أن إحدى الأفكار هي تلك التي تتربّع عنواناً لملتقى المنتدى الخامس: "حلف فضول عالمي بين الديانات". هكذا ورد في ما اطلعت عليه. ولو كان الأمر لي لأضفت كلمة: "والثقافات". سوف تساعد في عملية إبداع حلف فضول عالمي النتائج، التي نأمل أن ينتهي إليها الملتقى الخامس. فلنتهيأ.
وبارك الله في تلك المكالمة التي تلقيتها ظهر أمس، فأتاحت لي أن أخاطب جمهوراً يجهلني في معظمه، وأن أفاتحه بما يشغلني من أمر الحلف، وأن أفتح له قلبي، فأبوح جهاراً نهاراً ولأوّل مرة؛ بما أعرفه من ظروف تغييب حلف الفضول عن مؤتمر فيينا التاريخي لحقوق الإنسان.
حلف الفضول في الأمم المتحدة:
هل يصحح بيان العقد السابع للإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟
بتاريخ 19 نيسان 1994 ورد ذكر حلف الفضول لأوّل مرة في أدبيات الأمم المتحدة. كان ذلك في رسالة من المفوض السامي الأول لحقوق الإنسان رداً على رسالتي إليه في 17 شباط من ذلك العام. امتدحت الرسالة الحلف والداعي إليه وتوقفت عند ذلك الحدّ.
وتابعت مع خلفائه حتى نجحت أخيراً في إعلان اعتماده وثيقة هامة في تاريخ حقوق الإنسان من خلال بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان الصادر في (10- 12- 2007) عشية بدء العقد السادس لصدور الإعلان العالمي.
لاحظت في ما ورد عن الحلف في البيان هفوات ثلاث:
- لم يذكر البيان أنه أوّل هيئة لتنظيم الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم إلى أن يثبت العكس.
- لم يذكر أنه جرى تفعيله في أمور هي في صميم انشغالات المنظمات الراهنة للدفاع عن حقوق الإنسان.
- ذكر أنه حلف جاهلي لكنه أغفل أنه مبارك إسلامياً، وتلك نقطة خطيرة جداً. هل كمنت نية سيئة خلف إثبات جاهلية الحلف وإغفال مباركة النبي له؟
أثرت هذه النقاط مع المفوضية السامية بمذكرة مكتوبة، ربما ما تزال محفوظة في ملفات المفوضية. كما أثرتها مع من استطعت من مندوبي الدول العربية في جنيف.
هل تابعت؟ هل صححت الهفوات؟
فأما المتابعة فليست على أكمل وجه. وأما التصحيح، فلست واثقاً من حصوله.
نحن الآن على أبواب العقد السابع لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. العقد الجديد مناسبة لاهتمام متجدد. الدمار العربي الذي أتى به الربيع العربي يوجب علينا الاحتفاء بكل ما في تراثنا من "مكارم الأخلاق". من المفيد مخاطبة المفوض السامي الحالي لحقوق الإنسان؛ لكي يتفادى في البيان المنتظر بعد أشهر الهفوات التي حفل بها بيان المفوضية الصادر قبل عشر سنوات. بما أنني، على حد علم منشور في مواقع متعددة، أول من بادر إلى مخاطبة المفوض السامي الأوّل بشأن الحلف، أتابع المخاطبة عبر هذه الكلمات إلى المفوض السامي الحالي العربي.
ذات يوم حين خضت غمار التنافس على منصب المفوضية السامية رفعت شعاراً كان صالحاً وتزداد الحاجة إليه: "علينا إبداع حلف فضول عالمي".