كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الطيب تيزيني.. الطيب المظلوم.. في الذكرى الثالثة لرحيله

  كتب أحمد غانم- فينكس:

لن أضيف جديداً في تعريفي للطيب تيزيني، وذلك لسبب بسيط هو أن الكبار والعظماء يشار إليهم ويستدل بهم ولا يمكن تعريفهم. فكل تعريف هو تحديد وتأطير لأفق مفتوح على احتمالات كثيرة. إلّا ان مناسبة غياب هذا المفكر المعلم تقتضي الإشارة إليه. فالطيب تيزيني هو المفكر العربي والعالمي الوحيد الذي جعل من التراث العربي مشروعاً فلسفياً ميّز بحثه الفلسفي مما فرض تصنيفه من جملة أفضل مائة فيلسوف في العالم في القرن العشرين. 
والطيب تيزيني أستاذي في جامعة دمشق كما هو أستاذ لكثيرين. و لعله الأستاذ الأبرز الذي يعرفه جمهور السوريين والعرب بسبب انغماسه في القضايا اليومية والمصيرية لهذه الأمة بكاملها وليس لطلابه فقط.
لن أطيل في الحديث عنه كوني أجهز نفسي لإعداد دراسة كاملة عن هذا النبي المظلوم. فقد اتهم من قبل الإسلاميين بأنه ملحد! طيب تيزيني
و اتهمه بعص الماركسيين بأنه قومجي!
كما اتهمه بعض القوميين بالشيوعية! 
وهنا تكمن إشكاليته وخصوبته. فقد أشارت هذه التهم إلى أهميته دون أن تنتقص منه لأنه أكبر من هذه التهم و أصحابها.
فهو يبحث في التراث العربي الاسلامي، ولكنه المفكر العربي الوحيد الذي درس هذا التراث في نموه منذ الأسطورة وحتى "الاسلام المحمدي" مروراً بـ"من يهوه إلى الله" بجزئين كبيرين، و الاسلام في بواكيره الأولى وغيرها. و لم يسعفه العمر و الزمن لاستكمال مشروعه بانتظار من يجرؤ على حمل مسؤولية هذه القضية. و السبب في نسبة الإلحاد إليه هو دراسته لهذا التراث بما فيه النص القرآني دراسة يمكن تصنيفها أنها انتربولوجية (أرضية) أي على ضوء تطور الواقع الاجتماعي لمجتمع الدين (أي دين). 
و اتهم بالقومية من قبل بعض الشيوعيين لأنه رصد حياته لمشروعه العربي الإسلامي من "التراث الى الثورة". أي تأصيل التراث وقراءته على ضوء الحداثة. فقيل عنه: أنه ليس ماركسياً أصيلاً.
و اتهم بالشيوعية من قبل بعض القوميين لأنه يدرس التراث على ضوء منهج المادية التاريخية التي فهمها فهماً حداثياً، فأضاف إليها بعض الأدوات المنهجية التي وجدها ضرورية لمثل هذا المبحث. بل لأنه رأى أن المادية التاريخية كما فهمت بصيغتها الميكانيكية ليست ماركسية. 
وللحقيقة فان أفضل دراسة لهذا التراث على مساحة العالم العربي والعصر الحديث والقديم على السواء إنما قام بها هذا الفيلسوف والمفكر الكبير. لقد أضاف عاملان منهجيان إلى المادية التاريخية وهو الماركسي الأصيل. وهذان العاملان هما:
جدلية الداخل والخارج وجدلية الخاص والعام. و لم يكتف بجدلية طبقية و كأنها عملية حسابية. فالمجرد يختبئ خلف الظاهرة وعلينا البحث عنه ومعرفة جذوره البعيدة. و كأنه بذلك يحل إشكالية الأسلوب الآسيوي للإنتاج الذي أشار إليه ماركس و رأى ان له طابعاً خاصاً في تطوره وقوانينه عن المجتمع والاقتصاد الغربيين. 
إن الطيب تيزيني هو كل ما اتهم به و أكبر من ذلك.
فهو ملحد بفكر هؤلاء الفقهاء الذين شوهوا الإسلام والدين عموماً والحضارة معاً. أي ضد كهنة الأكليروس مروجي الخرافة والأساطير. 
وهو قومي ضد الماركسية الميكانيكية التي تحولت إلى عقيدة أي دين رسمي حرفي جامد لدى البعض.
وهو ماركسي أممي ضد الفكر القومي الذي تفوح منه رائحة العنصرية الاستعمارية والفاشية والاستعلاء القومي والأيديولوجي والديني. 
إنه الطيب تيزيني الذي هو ذاته كل هذا وليس كما وصف أيضاً.
__________
* ملاحظة: كنت أود أن أذكر عناوين مؤلفات الطيب تيزيني، فوجدت في مكتبتي لوحدها عشرات العناوين لمجلدات يتجاوز بعضها الألف صفحة. ولعل مجموعها يتجاوز عشرة الاف صفحة. فقررت أن أشير اليها دون ذكرها، وبالتأكيد سترد ضمن دراستي له، إذ أجهد أن يكون العدد الرابع من سلسلة الكنوز الفلسفية التي أصدرها مخصصاً للطيب تيزيني.