كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

غسان الشامي: تلبيسة والرستن ويوحنا إبراهيم.. شهادة للتاريخ القريب والحزين وللنصر

في العاشر من نيسان عام 2011 هاتفني المطران الصديق يوحنا إبراهيم قائلاً: هل يمكنك المجيء إلى حلب؟
أجبته نعم، ولكن لماذا؟
تابعَ، لقد عدنا من تركيا مع قداسة البطريرك زكا (الأول عيواص) /المثلث الرحمات/، وقابلنا أردوغان، وإذا أمكن أن يأتي معك أحد المقربين من الجنرال عون.
اتفقنا، وانطلقت من بيروت في اليوم التالي، أي بعد 25 يوماً على تحرك الخَوَنْجة في سوريا، وما أن وصلنا إلى تخوم تلبيسة حتى فاجأنا حاجز للجيش السوري تموضع قبل وقت وجيز على الطريق الدولي بين حمص وحلب، وبكل لطف أخبرني المسؤول أن مسلحين في تلبيسة قطعوا الطريق في البلدة وهم يمارسون الخطف والترهيب، لذلك يجب أن أتابع سيري عبر طرق التفافية من ميمنة الطريق الدولي لأخرج بعدها وأكمل إلى حلب.
كان الجنود ينتشرون على مدخل كل قرية بأعداد صغيرة ويرشدوننا بلطف واعتذار بعد أن يشاهدوا في ذلك المساء لوحة السيارة اللبنانية، وأعرّف عن نفسي، وخلال ذلك اتصلت بصديقين مسؤولين في دمشق وحلب، وأخبراني أن الطريق الدولية قطعت فعلاً في تلبيسة.
لمن لا يعلم، فإن تلبيسة محكومة بحالتين، الأخوَنة والتهريب، وفيها عدد وافر من مهربي الآثار إلى أوروبا، وهي تقع على تل أثري، وفي السهل قربها جرت المعركة الفاصلة بين جوليانوس وزنوبيا.
التقينا مع المطران في حلب ببيت سماحة المفتي الصديق أحمد بدر الدين حسون، وهذا جزء مما دار في الاجتماع، وهو برسم التاريخ:
قال إبراهيم: زرنا أردوغان للبحث في وضع الكنائس السريانية التي تستولي عليها تركيا، وخلال الحديث سألنا عن عدد السريان في سوريا وعن مساحة الأراضي التي يمتلكونها، وقد أجبناه عن العدد التقريبي وعدم معرفتنا عن مساحة ما يمتلكه السريان من أراض، وسألناه لماذا، فقال: اتركوا سوريا وتعالوا إلى منطقة ديار بكر، وسأعطيكم أراض بحجم ما تملكون، وهذه الأرض كانت لكم وفيها أدياركم.
وتابع إبراهيم: حاولت سؤاله مرتين عن الرئيس الأسد وكان يتهرب من الإجابة، فما رأيك بكل هذا؟
قلت له، يا سيدي، أنت تثبت لي بهذا الكلام أن أردوغان أحد أركان المؤامرة على سوريا، وهو يريد تهجير السريان، المكوّن المسيحي المشرقي التاريخي، وأن يضعكم في منطقة باتت كردية الديمغرافيا، ما يعيد مجازر سيفو قبل مئة عام على يد أغوات الأكراد لكن من دون فرمانات، لكن هذه المرة سينفخ صدره ويتدخل بعد فوات الأوان ليقول للغرب: هاأنذا أدافع عن المسيحيين.
قال إبراهيم: هذا هو إحساسنا، أخبر به الجنرال عون، ولا حل إلّا بمتابعة وتحشيد العمل المشرقي كي نبقى في هذه البلاد.
بقية الحوار، يأتي وقت وننشرها، وقد غادرنا حلب في الصباح وتناولنا فطورنا في أحد الاستراحات، وقبل الرستن دخلنا في طرق التفافية لنخرج إلى الطريق الدولي على مدخل حمص، عائدين إلى بيروت.
اليوم وبعد سبع سنوات تعود تلبيسة والرستن ويفتح الطريق الدولي حتى مدينة حماة، لأنه لا مجال لاقتطاع الجغرافيا السورية، بيد أن أردوغان ما يزال يتكتم على مصير المطران يوحنا إبراهيم والمطران بولس اليازجي، وربما في الرواية، التي ما يزال من سمعوها أحياء، عبرة وإضاءة على ما حصل للمطرانين فيما بعد...

بيروت 16/5/2018