كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

صدور كتاب ‘حضرة التاريخ’: حوار مع الكاتب عدنان بدر الحلو

صدر اليوم الأحد 30 جوان 2024 عن دار “بحر” السورية كتاب “حضرة التاريخ: حوار مع الكاتب عدنان بدر الحلو”، إعداد وحوار الكاتب الصحفي البارز “أبيّ حسن”، وبتقديم من “هادي دانيال”.

في تقديمه لحواره مع الكاتب السوري المناضل في صفوف الثورة الفلسطينية الأستاذ “عدنان بدر الحلو” كتب الأستاذ”أبيّ حسَن”:

“لم أجد وصفاً يليق برفيق الشهيد غسّان كنفاني و نائبه في رئاسة تحرير مجلة “الهدف”، و واضع أحد أهم الكتب عنه، سوى “حضرة التاريخ”.. إذ في كل لقاء لي مع الكاتب و المناضل عدنان بدر حلو يذهلني بحجم الأحداث التي عاشها و خاض غمارها أو كان شاهداً عليها، ولعل أبرزها أواخر ستينات القرن الماضي، عندما نشط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ تلك الفترة شهدت خطف طائرات العدو الإسرائيلي من الأجواء، وتفجيرها في مطار “ابتكره” القائد الفلسطيني الراحل الدكتور وديع حداد، في مكان ما من الأردن.

عدنان بدر حلو، المنحدر من بلدة مشتى الحلو، من عائلة تحمل الإرث الشيوعي، وفي زمن كان فيه “العداء” مستحكماً بين الحزبين الأبرز على الساحة السورية (الشيوعي، والسوري القومي الاجتماعي).. ومن المفارقات الجميلة، إنه درس مرحلته الإعدادية في مدرسة تتبع للسوريين القوميين، و ستكون رفيقة دربه أيضاً سورية قومية عريقة ألا وهي اللبنانية سهيلة يعقوب.

في هذا الحوار، مع “حضرة التاريخ”، نغوص مطوّلاً في النشأة الأولى في بلدة “مشتى الحلو”، و نتطرّق إلى تفاصيل بدت لنا مهمة، إذ كيف كانت “مشتى الحلو” في أربعينات القرن الماضي، وحتى كيف كانت أواخر القرن التاسع عشر مروراً بوضعها خلال الحرب العالمية الأولى وهجرة الكثير من شبابها إلى الأمريكيتين، وكيف صارت؟ وما هو دور “البوسطة” -عدا النقل- في حياة ذاك الزمن؟ وما هي الصحف التي كانت تصل إلى المشتى؟ مروراً بتعلمه وانخراطه في الحياة السياسية، وصولاً إلى هجراته المتلاحقة إلى لبنان والعراق وفرنسا، ونضاله مع الفصائل الفلسطينية، ناهيك عن توقيفه واعتقاله في سوريا أكثر من مرة على خلفية نشاطه ذاك”.

وفي المقدمة التي وضعها لهذا الأثر المضيء، كتب “هادي دانيال”:

“… بَعْدَ قراءة الحوار تَبيَّنَ لي أنّ سيرتَيْنا تقاطعتا في أكثر مِن نقطة، بدْءاً مِن الانتساب المبكّر إلى الحزب الشيوعي السوري تُمَّ مُغادرته لأنّ انتماءاتنا لم تكن أيديولوجيّة صَمّاء بقدر ما كانت بحثا دؤوباً فكريا عقلياً ووجدانيا عن الحقيقة النسبية التي لم تكن “الهدف” مُوَفَّقة عندما صادرتها باعتماد شعار “كل الحقيقة للجماهير”، لكن على أيّ حال كانت فلسطين ولا تزال بوصلة بحثنا الفكري والوجداني الحُرّ. كما تقاطعت سيرتانا عندما عدنا إلى بلادنا سنة 2004 مُقيمين أو زائرين بعدَ غيابٍ جاوز الثلاثة عقود. ما عدا ذلكَ أنّى لي أن أقارنَ سيرةَ فتىً مُتمرّد كانت تجاربه السياسيّة في سوريّة طفوليّة (لأنّ مشروعه الأساس كان ولا زال حتى الآن مشروعاً شعريّاً) وتكوّن وعيُه فكريّاً وسياسيّاً بين جدران “مدارس” اليسار الفلسطيني ذي الجذور القومية ملفوحا بوهج نار الحرب الأهلية، أنّى لي أن أقارنَ ذلك بسيرة مناضلٍ كان له دوره في تشييد كي لا نقول تأسيس هذا الوعي؟ ذلك أنّ عدنان بدر وإن كانَ قد كتبَ الشعر في فتوّته لكنّ مشروعه الظاهر كان الكتابة السياسية كأداة نضال عربي اشتراكي تقدمي في خدمة مشروع سياسي أرحب وربما أخطر.

ملاحظة أخرى في هذا السياق أنّ كلينا تخلّى عن لقبه وهو يوقع مقالاته فعدنان بدر الحلو، كان في بيروت يوقع باسم “عدنان بدر”، وأنا “عبد الهادي دانيال الوزة” كنت في بيروت ولازلت في كلّ مكان بعدها أوقع باسم “هادي دانيال”، واللافت هنا أننا نحتنا أسماءنا الجديدة من أسمائنا الأصلية مُتخلّيين أساساً عن اللقب، وإن كان عدنان بدر قد تمسّكَ بلقبه “الحلو” لاحقا، خاصة بعد العودة إلى البلاد مُقيماً في “مشتى الحلو” المكان الوطني الذي مَنَحه لقَبَه الحريص على استعادته.

والذي يكتشفه قارئ هذا الحوار، ليس فقط معاناة هذا المناضل وصلابته في الدفاع عن مواقفه الواعية، بل سيلفته عُمْق تَعلُّق عدنان بدر الحلو بوحدة شعبه وتراب وطنه وحرصه على سرد موضوعي لتاريخ النضال الديمقراطي السوري المعاصر منذ أواخر أربعينات القرن المنصرم في آفاق مُتداخلة: طَبَقيّة، وطنيّة وقوميّة بأبعاد اشتراكيّة وليبراليّة.

كما يتجلى في إهاب هذا الكاتب والمحلل السياسي الاستراتيجي مؤرِّخٌ ساردٌ مِن طرازٍ رفيع. فأيّ متعة ينالها القارئ وهو يتنقّل معه على أجنحة أسلوب يتموّج بين السرد التاريخيّ والتوهّج الشعريّ والوصف الأدبي، يُسربل ذلك كُلّه حنين نابض إلى مرابع الصبا و الملاذات الآمنة نسبيّاً في فترات النضال السرّي.

ولئن توهجت بعض الفقرات على مستوى وصف الأمكنة خاصة الريفية أو وَصْف العلاقات الاجتماعية فنخال أنفسنا وكأننا نقرأ فصلا من رواية مِن طراز روايات “عبد الرحمن منيف” (وليس قصص كوليت خوري هذه المرّة) على مستوى الأسلوب وتوظيف المفارقات الفكهة والساخرة (الحيّز الذي منحه عدنان بدر الحلو للبوسطة /سيارة الأجرة بين القرية والمدينة، ووظائفها المتعددة عند أهل القرى السورية واللبنانية)، فإنّ قارئ هذا الكتاب/الحوار يحظى بمتعة معرفيّة عندما يتلقّى معلومات دقيقة تضيء له زوايا معتمة مِن بعض مراحل تاريخ سورية المعاصر، يعرضها عليه شاهدٌ عاش وعاينَ تفاصيلَ مفاصلِ تلك المراحل، ويحللها بموضوعيّة الذي يقرأها الآن مِن مسافة زمنية طويلة نسبياً، فيتعرّف القارئ عن قرب على أفكار الرموز الوطنية (على غرار الأستاذ “أكرم الحوراني” والرفيق “دانيال نعمة”) دون نسيان “الرموز“ غير الوطنية، وسلوكات أولئك الرموز ومواقفهم الإيجابية والسلبية التي يصمت عنها عادة المؤرخون الأكاديميون أو مؤرخوّ البلاطات الأميرية والملكيّة والجمهورية وأعمالهم الموجهة لصالح رواية الحاكم دائما. وفي ذات المناخ السياسي في خمسينات القرن الماضي يرصد المناضل عدنان بدر الحلو في هذا الحوار الشيِّق بعض المناكفات الطريفة بين أعضاء وأنصار الحزب الشيوعي ونظرائهم في الحزب القومي السوري، وهي مناكفات تعكس سذاجة أهل القرى من العامة في تعاطيهم الشأن السياسي حتى وهم يصطفون وراء هذا الحزب أو ذاك، فعندما يهتف نصير الحزب الشيوعي “يحيا ستالين العظيم” يناكفه نصير الحزب القومي السوري هاتفاً مِن على سطح بيته الريفي “يسقط ستالين العظيم”.

إنها التفاتة ذكيّة مِن الكاتب الصحفي المتمرّس “أُبَيّ حسن”(والشيء مِن مأتاه لا يُسْتَغْرَب) إلى هذه التجربة الثريّة والمتفرّدة، تجربة الأستاذ عدنان بدر الحلو، في أبعادها النضالية الوطنية والقومية والإنسانيّة، وإن كان قد اختار أن ينطلق الحوار مِن الرحم البيولوجي والبيئي لهذه التجربة التي نفاخر بها ونعتزّ كما سيفعل كل مَن يقرأها سوريّاً كان أو مِن أحرار المنطقة والعالم”.

موقع الصريح