كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشاعر التونسي البشير عبيد ومخاتلة اللغة

ثامر جاسم*- فينكس
البشير عبيد شاعر تونسي مكتنز اللغة والأدوات، صاحب قضية سخّر لها قلمه الرشيق- لما هو يراه حقا وعدلا وانصافاً وانتصافاً-
شعرا محلقا أو تنظيرا ومقالات.
كاتب تطاوعه المفردة والايقاع، ناشط غزير حرفه متدفق لا يهدأ.
بأكثر من نص بث أو كرر (بقصدية) إشارات عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر؛ الهروب، العاصفة، الرحيل، الزقاق، المدن والقرى، السلف والخلف وغيرها ليؤكد تثبيت وتأطير رسائله كونه يخاطب متلقين من شريحة تعنيه باهتمام.
ومن تكنيكه أن جعل شاهدا كليماً في أكثر من نص كـ(الرجل الضرير) في نص/وحدهم يعبرون الجسر/ وهو من النصوص الهادفة التي تكتنز بالسرد وتضج بروح الشعر مباشرة أو مجازاً..
وهو نص يحتاج لأكثر من قراءة للكتابة عنه نقدا أو قراءة كونه يُفصح عن ثقافة الشاعر البشير ورؤيته ومعالجاته الفكرية.
و(الولد الكسيح)
في نصه الآخر/الرحيل الى بهاء المكان/
وهو نص يحتاج لوقفة أيضا لتفكيك شيفراته والوصول الى مراميه، الشاعر فيه اتكأ على ذاكرة جمعية- مكانية تاريخية أو آنية لايصال فكرة ما يطرح فيها أكثر من قضية.. كان تعليقي عليه مختصرا.
ياللنهاية الرائعة.. في القراءة دائما الأحق النهاية، وأعتبرها في النص الناجح موئله وأعوّل عليها كثيرا في استنطاق المستبطن، وإن رآها البعض على أنها تحرراً من خيوطه المتشابكة كحسن تخلص فقط.
وأفعل ذلك أكثر لو كان النص يتأبط رسائل تبدي أو تخاتل أمراً ملحّاً.. صديقي العزيز محبة لقلبك وقلمك الرائع الذي لا يترجل أو يحايد عند حد عاصفة أو ضباب.. يقظا تسامر وحشته البوصلة.
*******
الرحيل إلى بهاء المكان
لا تخف من ذاكرة البلاد الغارقة في نفق
الانكسار
بل كن قريباً من دفاتر الرعاة
و صياح الباعة المتجولين
و صراخ أطفال الشوارع...
كن بعيدا عن صمت الحياد
و اخضرار العشب قبل الغروب..
لست وحدك هنا
الكل يسال عن ورقات الرحيل
و انفتاح المرء على فضاءات
الدهشة....
انت الآن هنا
وحيد مثل زقاق قديم
يبحث عن رفاق ضاعوا في الطريق.....
ربما كانوا فرادى أو جماعات
ذاهلين
و سابحين بابصارهم في الفيافي
ليس لهم في ورقات الزمان
ما تقوله الاهات
وما تبطنه الروح
بالامس صباحا باغتني الولد الكسيح
بالسؤال:
لماذا كل هذا الهروب من صمت الحياد؟
و ارتباك ألاصابع حين تلمس جمرات
النهوض...
ليس بامكانك ان تنام وحيداً
قرب الزقاق المتاخم للضباب
ها هنا نساء شاحبات
و أولاد يبحثون عن اسماءهم
في الخراب
كل صباح يباغتني بالعناق و زهرة اللوتس
على طاولة الذكريات
الآن تكتب الايادي ورقات الاحتجاج
لا تخف من ذاكرة البلاد الغارقة في نفق
الانكسار
كن قريبا من دفاتر الرعاة
و صياح أطفال الشوارع
كن بعيدا عن صمت الحياد
و باحثا عن غروب الزمان
ها هنا جدار الاجداد و متاهة
الاحفاد
كاني بهم يستعجلون الرحيل
و تاخذهم خطاهم إلى البيادر
بلا مدد أو سند
فجأة يصيح الفتى في الجموع:
خراب هذا أم بلد؟!
لست ادري..يجيب شيخ هارب من ضباب
المرحلة
ربما قطعة من عاصفة الجنوب...
ماسكا باحلامه قبل الغروب
تراه النساء الشاحبات
لا تهمه اخبار الفنادق
و ما تكتبه تقارير الحرس القديم...
هو العاشق دوما للفيافي و الروابي
هو الهارب من ضجيج العواصم
و احتماء الثكالى بالصقيع
ليس في الاقاليم البعيدة ما تترقبه الروح
و ليس في المسافات القريبة عشاق
الغنيمة...!
هنا أولاد و أحفاد و موسيقى
هنا ذاكرة الاجداد و متاهة الاحفاد
على الطرف الآخر من المكان البهي
ورقات يتيمة
و أصوات خارج الاسوار
قبل غروب الشمس٫يصيح الفتى في الجموع:
لابد لي من حبر و جمر و نساء ذاهلات
لابد لي من ذاكرة عصية عن النسيان
ترسخ آخر ما تبقى من الحصون....
ليس لي ما ادعي ما ليس لي
سوى ان الكلام المسافر إلى الاقاصي
هو دربي و بوصلة الهاربين من ضباب

المرحلة...

*كاتب عراقي يقيم في تركيا