كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أثرياء قرطاجة وهانيبال(1)

مروان حبش- فينكس:

لم تكن قوة هانيبال قد زادت على أربعين ألفاً حين تقدم إلى روما، وجنَّد الرومان حوالي مائتي ألف رجل لمواجهته، مما اضطره إلى الانسحاب نحو جنوب إيطاليا، وفي هذه الأثناء أرسلت روما إلى اسبانيا جيشاً بقيادة سبيو وأخيه ليناوشا جيش قرطاجة الذي يقوده هزدروبال شقيق هانيبال فهزماه عند نهر أبرة عام 215ق.م، وقُتل القائدان الرومانيان في الميدان، وكادت تضيع ثمار ما كسباه من النصر لولا أن عينت روما سبيو الأفريقي ابن أحد القائدين اللذين قتلا في المعركة، ليتولى قيادة الجيوش الرومانية في اسبانيا، ولم يكن هذا القائد قد تجاوز الرابعة والعشرين من عمره، واستسلمت له معظم المدن الاسبانية بعد أن استولى على (قرطاجة الجديدة) وبحلول عام 205 أصبحت اسبانيا ولاية رومانية.
جند سبيو، بعد اختياره قنصلاً في عام 205ق.م، جيشاً جديداً وأبحر به إلى قرطاجة، مما اضطر مجلس شيوخها إلى الطلب من هانيبال - هذا القائد الأعور الذي تألب عليه أعداء لا حصر لهم فساقوه إلى ركن قصي في إيطاليا- العودة إلى قرطاجة ليدافع عنها بعد أن ظل مجلس شيوخها زمناً طويلاً يرفض إرسال مساعدات له وهو في إيطاليا. فلما وطئت قدماه أرض بلاده بادر إلى حشد جيش جديد وسار عام 202 ق.م، على رأس هذا الجيش لملاقاة سيبو عند نهر زاما جنوبي قرطاجة، وتقابل القائدان في بداية المعركة مقابلة ودية، فلما وجد هانيبال أن لا سبيل إلى الاتفاق بينهما أصدرا أمرهما ببدء القتال، وهُزم هانيبال للمرة الأولى في حياته، وقاتل وهو في سن الخامسة والأربعين كما كان يقاتل وهو في نضرة الشباب، وجرح القائد سيبو ومساعده مسينا، وأعاد تنظيم جيشه بعد أن اختل نظامه أكثر من مرة، فلما لم يبق له أمل في النصر أفلت من الأسر وسار على ظهر جواده إلى قرطاجة، وأعلن أنه لم يخسر المعركة فحسب بل خسر الحرب كلها معاً، وأشار على مجلس الشيوخ أن يطلب الصلح.
نصت معاهدة الصلح على أن تحتفظ قرطاجة بأملاكها في أفريقية، ولكن سبيو طلب إليها أن تسلم لرومة جميع سفنها الحربية عدا عشر من ذات الثلاثة الصفوف من المجذفين، وألاَّ تشتبك في حرب خارج إفريقية أو داخلها إلاَّ بعد موافقة روما، وأن تؤدي إليها غرامة حربية سنوية، وأعلن هانيبال أن هذه الشروط مقبولة ونصح مجلس الشيوخ بالموافقة عليها.
غيرت الحرب البونية(2) الثانية 218-201ق.م، وجه البحر الأبيض المتوسط من ناحيته الغربية، فقد سيطرت روما بعدها على اسبانيا كلها وتوفر لها ما يلزمها من المال لغزو بلاد اليونان، وأعادت إلى إيطاليا وحدتها تحت زعامة روما، ولكن هذه الحرب كانت مكلفة جداً، فقد ألحقت أشد الأضرار بجنوب إيطاليا. وكانت سبباً فيما طرأ على حياة الإيطاليين وأخلاقهم من انقلاب وعلمتهم عنف الحروب وسوء حياة المعسكرات. وكانت هذه الحرب المحور الذي يدور حوله تاريخ روما من جميع نواحيه.
أما آثار هذه الحرب على قرطاجة فقد كانت بداية نهايتها، لقد كان في وسعها، وقد احتفظت بقسط كبير من تجارتها وأملاكها، أن تعالج ما يواجهها من مشاكل الإنعاش، ولكن قيادتها الأوليغارشية قد بلغت من الفساد مبلغاً جعلها تلقي على كاهل الشرائح الفقيرة عبء الغرامة الحربية، وأن تختلس جزءاً من هذه الغرامة. مما دفع بأكثرية الشعب الطلب إلى هانيبال أن يخرج من عزلته وينقذ الأمة من محنتها، واختير عام 196 ق.م، حاكما عاماً، فلم تولى منصبه اقترح ألاَّ يبقى قضاة المحكمة البالغ عددهم ماية وأربعة قاضياً في مناصبهم لأكثر من سنة واحدة، وألاَّ يعاد انتخابهم إلاَّ بعد عام من خروجهم منها، فلما رفض مجلس الشيوخ هذا الاقتراح عرضه على الجمعية الشعبية (التي تنتخب مجلس الشيوخ) فأجازته، وكانت نتيجة ذلك وما اتبعه من إجراءات أن أنشأ نوعاً من الديمقراطية لا يقل عن مثيله في روما، ثم حارب الفساد واجتثه من جذوره ، وأنزل بالفاسدين أشد العقاب، ورفع عن الأهلين ما فُرِض عليهم من الضرائب الإضافية، وأدار موارد الدولة بشكل استطاعت به قرطاجة قبل أن يأتي عام 188 ق.م، أن تؤدي جميع ما فرضته عليها روما من غرامة حربية.
لكن أثرياء قرطاجة وقد سُدت أمامهم سبل الفساد والكسب غير المشروع، تآمروا ليتخلصوا منه ، فبعثوا في السر إلى رومة بأن هانيبال يعد العدة لاستئناف الحرب ضدها، وبذل سبيو كل ما له من نفوذ ليحمي عدوه القديم، ولكنه غُلب على أمره واستجاب مجلس الشيوخ إلى طلب أثرياء قرطاجة، بأن طلب أن يُسلم هانيبال نفسه إلى رومة، ولكنه غادر بلاده سرَّاً متوجهاً إلى مدينة ثبسوس(3) وركب منها سفينة متوجهاً إلى أنطاكية عام 195 ق.م، حيث وجد القائد السلوقي أنتيوخوس الثالث متردداً بين قتال روما ومسالمتها، فأشار عليه بحربها وأصبح فيها من قواده، فلما هزم الرومان القائد السلوقي عام 189 ق.م، اشترطوا لعقد الصلح معه أن يسلمهم هانيبال، فما كان مه إلاَّ أن فرَّ إلى كريت، ومنها إلى بيثونيا(4). فأخذ الرومان يطاردونه في كل مكان يلجأ إليه حتى حاصروه في مكمنه، وآثر الموت على الأسر، وقال في هذا: (دعوني أخفف عن الرومان ما يشغل بالهم من زمن طويل، فهم لا يطيقون الصبر حتى يلاقي شيخ مثلي منيته)، وتجرع السم الذي كان يحمله معه وكانت منيته عام 184 ق.م، وهو في السابعة والستين من عمره، وما هي إلاَّ بضعة أشهر حتى كانت وفاة القائد سبيو قاهره الذي كان شديد الإعجاب به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)هانيبال بن هملقار برقا (251- 184) ق.م، من عائلة برقا الفينيقية العريقة، وكتان قد جمع إلى ثقافة السادة القرطاجيين، وتمكنهم من لغتي فينيقية واليونان وآدابهما وتاريخهما، جمع إاى هذه الثقافة تدريباً عسكرياً دام تسعة عشر عاماً في المعسكر الحربي، وعوَّد أفكاره أن تركز فيما تهدف إليه من الأهداف، ووصفه أحد المؤرخين (ليفي) وهو من أعدائه بأنه (كان أول من يدخل المعمعة وآخر من يخرج من الميدان)، وكان يكسب المعارك الحربية بعقله لا بدماء رجاله.
وينسب إليه ابتكار العديد من التكتيكات الحربية في المعارك، لا زالت معتمدة حتى اليوم، ويقول الجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف (تعلمت الكثير من هانيبال حيث طبقت تكتيكاته في التخطيط لحملتي في عاصفة الصحراء).
(2)سميت بالحرب البونية لأن الرومان أطلقوا على القرطاجيين اسم "البونيقيين" لأصولهم الفينيقية Poenici، وكانت الحرب البونية الثانية أشد هولاً من جميع الحروب التي خاضت روما غمارها.
(3)ثبسوس مدينة قديمة ما تزال أطلااها واضحة، وتقع على ما يقرب من 200 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة قرطاج.
(4) بيثونيا اسم قديم لمنطقة تجاور بحر مرمرة ومضيق البوسفور في تركيا. 
من نهفات بعض المؤسسات الكارهة للسوريين
بمناسبة 8 مارس يوم المرأة العالمي.. الاستثمار في النظام الذكوري
الحقيقة حول اختلاف يوم عيد الفصح
دور حلب الريادي في الطباعة والنشر وبدء عصر النهضة الفكرية في القرن السابع عشر
نصوص اللعنات الفرعونية وتاريخ سوريا وفلسطين
الصفصافة مدينة معرفة؛ حلمُ، هل يتحقق؟!
تطور الخط الآرامي الى النبطي ثم نشأة الخط العربي منه في الأنبار
الأب يوحنا الشيفتشي الذي فك رموز حجر رشيد
بمناسبة يوم ذكرى اهتداء بولس الرسول بدمشق
التكييف والتبريد في الحضارة الإسلامية (الملاقف) حلول بيئية مبتكرة سبقت عصرها
الكتابات والوثائق الآراميّة
المشتى تهاجر! (موضوع للمناقشة والتفاعل)
المانوية (ديانة أهل بابل قبل الاسلام وهم من أطلق عليهم المسلمون اسم الزنادقة الذين عرفوا في العصر العباسي)
طقوس أعياد الميلاد ورأس السنة في الساحل السوري
قصة تؤكد إن المناذرة بالعراق آراميون (نبط مستعربون)