كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الضبع يغلب التطبّع...

باسل علي الخطيب- فينكس

قد يكون عزيز نيسين أكثر الكتاب الذي تأثرت بأسلوبهم في الكتابة، نيسين هو ملك أسلوب الكوميديا السوداء، و على ما أعتقد، هذا الأسلوب هو أصعب أساليب الكتابة، تعلمت هذا الأسلوب من كتابات نيسين و حاولت انتهاجه في كتاباتي....
تذكرت نيسين، و أنا أشاهد خطاباً لاردوغان يتحدث فيه عن (العلوية)، من نافلة القول أن كل كلام أردوغان في ذلك الخطاب هو لغايات انتخابية، و لكن هناك ما هو أبعد من الكلمات في فحوى كلام أردوغان..... و قبل أن نتحدث في هذا (الأبعد)، أريد أن أعلق على ما ورد في الخطاب، يقول أردوغان: "إنه لا يعقل أن تكون العلوية بعيدة عن الدين و عن الإسلام، لا يعقل أن يكون فيها كل تلك الأشياء المنحرفة"... من حيث المبدأ لا تحتاج (العلوية) شهادة منك أو من غيرك أنها من الإسلام، لأنها وبكل بساطة هي الاسلام، بل أنه لا يحق لأحد فيما خص كل الديانات على تشعب مذاهبها أن يعطي لأحد آخر شهادة اعتراف به، و لا يحتاج أي طرف براءة ذمة من هذا أو ذاك، و الحكم فيما نختلف عليه نتركه ليوم كلنا به مؤمنون و موعودون.....
ما قاله أردوغان في خطابه، يؤكد تلك النظرة الإخوانية التأسلمية للعلوية و لغيرها من الأقليات الدينية، و التي ترتكز على موروث موغل في الحقد و الإسفاف، يتصدر واجهته الآب الروحي للتكفير ابن تيمية إياه...
عام 1516 عندما قرر سليم الأول اجتياح بلاد الشام، احتار كيف يشرعن الغزو، فحروب السلطنة في أوروبا تدثرت بثوب الدين كون أوروبا مسيحية الديانة، لذلك كانت هذه الحروب ذات أبعاد جهادية، على فكرة مازالت حروب العثمانيين في أوروبا و غزواتهم تسمى في موروثاتنا و بل في مناهجنا فتوحات، كفتح القسطنطينية مثلاً....
و سبق و أن استمعت إلى محاضرة في المركز الثقافي في طرطوس، ألقاها شخص يشغل موقعاً سياسياً و فكرياً متقدماً جداً في أحد أحزابنا الوطنية، و قد سمى دخول العرب إلى إسبانيا فتحاً، و قد كان لي معه في ذلك نقاش... ليس هناك ما هو أخطر من أن تلوي عنق التاريخ لتشرعن الأحداث التاريخية، إن كنا اخترعنا لأنفسنا المبررات حتى نغزو و نحتل أراضي الغير، فلماذا نتباكى و نتذاكى و ننتقد أن الأمريكيبن و البريطانيين و الفرنسيين قد تذرعوا بحجج كالديمقراطية و حقوق الإنسان لغزو بلادنا؟ أليس الأمر هو ذاته هنا و هناك؟....
نعود إلى سليم الأول، أسقط في يده كيف سيشرعن غزو هذه البلاد، فتفقت عبقرية أحد مفتييه و يدعى نوح الحنفي على أن أهل هذه البلاد ليسوا مسلمين، مستنداً على فتاوى ابن تيمية، أن اتباع ( العلوية) تحديداً ليسوا مسلمين، بل هم أشد كفراً من النصارى و اليهود، الجملة الأخيرة هي اقتباس حرفي من فتوى ابن تيمية، و يُقتلوا ولو تابوا، و هذه الجملة أيضاً اقتباس حرفي من فتوى نوح الحنفي، أقتبسها حرفياً من فتوى ابن تيمية، ثم تلا ذلك اجتياح جيوش الانكشارية لبلاد الشام بعد معركة مرج دابق... أتظنونها صدفة أن وكالة أنباء داعش حملت اسم (دابق)؟....
على مدى أكثر من 100 عام ضج و يضج العالم بالإبادة الأرمينية، تلك المجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن ما بين عامي 1914 و 1916، و لكن التاريخ كان قد طوى تماماً إلى غياهب النسيان (الإبادة العلوية)، تلك التي حصلت بعد عام 1516، و بقي عليها الشاهدان التاليان: منطقة التلل و تقع غرب قلعة حلب ب 2 كم، و قد جاءت تسميتها من تجميع رؤوس قتلى العلوييين الذي تم ذبحهم من قبل جنود سليم الأول و تجميع هذه الرؤوس على شكل تلال، بعض المصادر قدرت عدد القتلى بـ 40 ألف و أخرى بـ 90 ألف. على فكرة هناك رسالة محفوظة في مكتبة ستراسبورغ الوطنية، كتبها قائد الحملة العسكرية العثمانية على مناطق العلويين، وجهها إلى سليم الأول، يخبره بنجاحه في إبادة العلويين.... الشاهد الثاني هي حارة الزغار و هي نفسها حارة ابن يعقوب، و لا يعرف شيء عن ابن يعقوب هذا، و هي تقع قرب بانقوسا قرب سوق الزهر، و سميت حارة الزغار أي الصغار ،و هم أولاد العلويين الذين سكنوا في هذا الحي بعد مقتل أبائهم......
طبعاً أنا بكلامي أعلاه أخالف الروايات الرسمية عن أحداث تلك الأيام، و لكن أليس المنتصرون هم من يكتبون التاريخ؟ فكم في تاريخنا من تزوير و إعادة تدوير.... رغم ذلك لا تنكر الرواية الرسمية إنه و على عادة كل السلاطين العثمانيين الذين كانوا يستصدرون الفتاوى قبيل شن الحروب تحت مسمى الجهاد المقدس، استصدر مفتي الديار العثمانية و الذي كان يلقب بشيخ الإسلام الزنبيلي علي مالي افندى للسلطان سليم الأول ثلاث فتاوي تجيز غزو بلاد الشام و مصر، تخرج حكامها و ناسها من ملة الإسلام....
نعم، خلف كل بلوى ما هناك فتوى ما، لا يوجد دولة استعملت الاسلام لمصالحها الدنيوية كالسلطنة العثمانية، حتى أن السلاطين العثمانيين اتخذوا المذهب الحنفي مذهباً لهم، لأنه المذهب الوحيد الذي يجيز أن يحكم غير العربي، السلطنة العثمانية هي التكريس الرسمي للتأسلم السياسي، و هي مصدره، الأخوان المسلمون هم التكريس الحزبي له، لذلك ليس غريباً أن يأتي تأسيس حزب الإخوان المسلمين في 1928 بعد إلغاء الخلافة العثمانية عام 1924 حيث خلف الإخوان السلطنة العثمانية في حمل لواء التأسلم السياسي...
حمل العلويون و الأكراد السنة و بعض الأتراك السنة و الأقليات المسيحية و خاصة الأرمن لواء العلمانية في تركيا. أركان تلك العلمانية كانت ثلاثاً: الجامعات، مؤسسة القضاء، المؤسسة العسكرية، كان أغلب دكاترة الجامعة و القضاة و الضباط من العلويين، و مع صعود التيار الإسلامي في ثمانينات القرن الماضي، بدأت حملة استهداف شعبوية ممنهجة لرموز العلمانية في تركيا، كونهم و بفكرهم يمثّلون النقيض الأساسي للتأسلم السياسي.
في عام 1993 هاجم مجموعة من المتطرفين التابعين لحزب العدالة و التنمية تجمعاً لمجموعة من المفكرين اليساريين العلمانيين في فندق ماديماك في مدينة سيواس، بقيادة تامال كرم الله أوغلو و الذي أصبح رئيساً لبلدية المدينة، قتل أغلبية المجتمعين في ذاك الهجوم و كان عزيز نيسين أحد الناجين، على فكرة في عام 2005 اجتمع أردوغان بالمهاجمين و شكرهم، و منهم من صار نائباً في البرلمان عن حزب العدالة و التنمية.... ولا أستبعد أن مسرحية الانقلاب عام 2016، كان هدفها إزاحة كل المناهضين لسياسة أردوغان التأسلمية، و هذا ماحدث....
العثمانية الأردوغانية هي أسوأ نسخ العثمانية، هي ليست ذات خلفية دينية فحسب، إنما قومية فاشية طورانية، و الدليل أنه عندما أصدر أردوغان قانوناً بتحويل متحف آياصوفيا إلى مسجد أيده القوميون الأتراك بشدة....
يبقى المكّون العلوي المحافظ على قيم العلمانية في تركيا عبر جسده السياسي حزب الشعب الذي يتزعمه العلوي الكردي كمال كلينشدر أوغلو، خطاب أردوغان الأخير أمام ذاك الجمع العلوي هو نوع من الدعاية الانتخابية، لكن كلام أردوغان الذي ذكرناه سابقاً ذو دلالات أكبر، و هذا هو الأبعد الذي ذكرناه أعلاه، أنه بكلامه ينسف كل أدبيات الأصولية التأسلمية التكفيرية تجاه الأقليات و تحديداً العلويين...
لطالما انتقد عزيز نيسين في كتاباته الإخوان المسلمين، و كان يصفهم بالحمير الذين يقودون دبية، و يقصد بالدبية رعاع الإخوان، أما الحمير فهم زعماءهم، و ليعذرني أستاذي نيسين فالوصف الأصح أنهم حمير يقودون ضباع، و قد نكون بهذا الوصف ظلمنا الحمير و الدببة و الضباع...
على فكرة الضباع تنهش أجساد فرائسها وهي على قيد الحياة، هل يذكركم هذا بشيء؟!... 
من نهفات بعض المؤسسات الكارهة للسوريين
بمناسبة 8 مارس يوم المرأة العالمي.. الاستثمار في النظام الذكوري
الحقيقة حول اختلاف يوم عيد الفصح
دور حلب الريادي في الطباعة والنشر وبدء عصر النهضة الفكرية في القرن السابع عشر
نصوص اللعنات الفرعونية وتاريخ سوريا وفلسطين
الصفصافة مدينة معرفة؛ حلمُ، هل يتحقق؟!
تطور الخط الآرامي الى النبطي ثم نشأة الخط العربي منه في الأنبار
الأب يوحنا الشيفتشي الذي فك رموز حجر رشيد
بمناسبة يوم ذكرى اهتداء بولس الرسول بدمشق
التكييف والتبريد في الحضارة الإسلامية (الملاقف) حلول بيئية مبتكرة سبقت عصرها
الكتابات والوثائق الآراميّة
المشتى تهاجر! (موضوع للمناقشة والتفاعل)
المانوية (ديانة أهل بابل قبل الاسلام وهم من أطلق عليهم المسلمون اسم الزنادقة الذين عرفوا في العصر العباسي)
طقوس أعياد الميلاد ورأس السنة في الساحل السوري
قصة تؤكد إن المناذرة بالعراق آراميون (نبط مستعربون)