كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الأديب المهجري نصر سليم سمعان

جاك جبور- فينكس

ولد نصر سمعان في 14 ايلول عام 1905 في بلدة القصير التابعة لحمص، ولما ترعرع درس فيها مبادئ القراءة والكتابة على يد معلم من يبرود يدعى "سابا"، ثم على يد معلم من حمص يدعى "عبد المسيح كرامة"، وفي مطلع عام 1913 دخل صف المبتدئين في الكلية الارثوذوكسية في حمص، ولما نشبت الحرب العالمية الاولى عام 1914 أقفلت المدرسة أبوابها، كما أقفلت جميع مدارس سوريا تقريبا، فعاد الى القصير، وبقي فيها حتى عام 1920، حيث غادرها الى البرازيل، وقضى بقية حياته في سان باولو، حيث عاش وشقي وتألم وفشل في تجارته، الى ان وافته المنية في العاشر من أيار عام 1967 وهو في الثانية والستين من عمره.
لم يتح لنصر سمعان دخول المدارس بعد أن غادر القصير، فعكف على المطالعة وقراءة دواوين الشعر، وتثقيف نفسه بنفسه، مثله مثل معظم شعراء المهجر، حتى استطاع ان يغدو شاعرا مرموقا يشار اليه بالبنان، ويصبح شاعر النادي الحمصي في سان باولو وعضوا في "العصبة الأندلسية".
لم يتمكن من طباعة ديوانه في حياته لضيق ذات يده، فتألفت لجنة بعد وفاته لطبع ديوانه وكلفت الأديب "رشيد شكور" بجمع قصائده المبعثرة ونشرها في ديوان صدر عام 1972، وقد قام الأديب "شكور" بهذه المهمة خير قيام، وكتب مقدمة وافية له تحدث فيها عن الشاعر الذي عرفه عام 1913 حين كان تلميذا في صف المنتهين في الكلية الأرثوذوكسية ثم عاد فالتقاه مرة ثانية في سان باولو عام 1922 ودافع في هذه المقدمة عن شعر المناسبات الذي استفاض فيه الشاعر قائلاً:
"يقولون ان نصر سمعان شاعر المناسبات، وكثيراً ما سمعت هذا القول يتردد على أفواه كثير من الشعراء والأدباء، ولكم من من شعراء العرب جاهليين ومخضرمين ومولدين ومحدثين ومعاصرين لم يقل أكثر شعره إلّا في المناسبات من مدح ورثاء وتهنئة واستعطاف واستجداء... ثم ما هي المناسبات التي كانت تستدعي الشاعر نصر سمعان لأن يقرض الشعر إن لم تكن المناسبات والأعياد الوطنية، ومديح المحسنين، ورثاء من يستحقون الرثاء، وتهنئة في عرس وولادة ووداع صديق؟ لكنه كان يغتنم هذه الفرصة السانحة، بل هذه المناسبات ليظهر عواطفه ويسكب شعوره ازاء أمته المكلومة الدامية، وليبكي أمجادا مضت، وليهيب بأبناء وطنه الى الوثوب والانتفاض على الظلم والاستبداد، مما هو ظاهر في اكثر منظوماته ان لم تكن كلها.... علما بأنه لم يكن يتقاضى من المال فلساً واحدا في أي مناسبة كان يقفها ولم يستجد رغم ضيق ذات يده".
كان يدعى الى المشاركة في المناسبات الوطنية والقومية والاجتماعية التي كانت تقيمها الجالية العربية وما أكثرها، فيلبي الدعوات، مثل:
عيد الأمهات في نادي مرجعيون، وتدشين البناية التي قدمها أسعد عبدالله حداد للميتم السوري، وتدشين المكتبة الوطنية التي أهداها ميشال شاهين الى الميتم السوري، واحتفال جمعية اليد البيضاء بمرور عام على بناء ماوى العجزة، ناهيك عن الأعياد الوطنية والدينية كعيد الجلاء عن سوريا، وعيد الوحدة بين سوريا ومصر، وعيد المولد النبوي، ونكبة دمشق، ونكبة فلسطين، ورثاء الأدباء: "نسيب عريضة، فوزي المعلوف، حسني غراب، جبران خليل جبران، ورشيد عطية، جورج حسون المعلوف، وميشال المعلوف، وأحمد شوقي، وفيليب حتي.... وغيرهم...
من قصائده
فلسطين
أرض البطولة والشمم .... تستنهض اليوم الهمم
افــمـــا نلبيـــها وقــــد .... كــادت تلبيـــها الرمــم
وثبت فلسطين وحاشا .... ان تـــــزل بها القـــدم
----------
فلسطين الشهيدة
يا فلسـطين الحزينة .... يا بلاد الشــهداء
ان أرضا منك تسقى .... بـــدمــاء الأبـرياء
ليتها لــم تــك يومــا .... مهد رهط الأنبياء
في ذكرى الشاعر فوزي المعلوف
ان ذكراك في القلوب شعاع .... يكشف السحر عن مقر شعاعك
يهتف الشعر باسـمك يا فــو ..... زي وتصبو النهى الى ابداعــــك
كل صــرح مصيره الهــدم الا ..... صــرح مجــد بنيته بيراعـــــــك
عن حمص قال
قالوا أتصبو الى حمـــص فقلت لهم ..... قلبي بغير هــــواها غير خفـــــاق
مــــا حمــــــص إلا يـــــد لله فاتنــة .... بوابل من عيون المجـــــد مغــداق
أغرقت في وصفها والحسن جادلها ... بــما يقـــصر عـنه كــل اغـــــــراق
تــــــلك الخمائـــل جـــنات منـــورة ..... بكل زهــر زكي الطيــــب عبّـــاق
والطــــــــير ما بين تغريــد وزقزقــة ...... والمــــاء ما بين فـــوار ورقـــراق
وللغصـــــون حــفيف حـار سامعــه ...... أخفق أوراقها أم همــس عشاق
وحمص تنفر في الدنيـــــا نوافــحها ...... شـــذى تــؤديــه آفـــاق لآفـــاق
يا حمـــص لــولا ســـناك ما عــرفت ..... روحي سنا أمل في العيش براق
ان يذكر الدهر فرسان الجهـــادفقـــد ..... أنجبت يا حمص منهم كل بـــراق
عن العاصي قال
تذكرت نهـــــــرا على ضفتيه .... يجود شــعر النســــيم القصب
وكاأســـا تشــعشــها خمــرة .... رآها شـــعاع الضحى فاحتجب
صفا مجلس الأنس لما مزجنا .... بخمــر العناقيــد خمــــر الأدب
وغنى الهــزاز نشـيد الهــوى ..... فهيج في الكأس رقص الحبب
مجاــلس لم تـــك الا لتجلـــو ..... دياجي الهموم وسحب الكرب
ألمــــــت بنا وبــها العـــاديات ..... وتـم لحكــم الزمــان الغـــلب
لقد سلب الدهر مـــنا الاماني ...... فهل عرف الدهر ماذا سـلب
من قصيدة أطلي يا حمص
أطلي فالصباح أطـــل عيــدا .... أنار بنور طلته الوجــــــودا
وتيهي عزة وعـــــلا ومجــدا .... فقد انجبت للدنيا الاسـودا
وما عاصيك إلا فيض خــــير .... تسلسل رقة وأنهل جودا
ولو نلت الخلود على الليالي .... لبعت بنهلة منه الخـــلودا
نشرت النور في الافـاق لما .... رفعت لكل مكرمة بنـــودا
وكم لك من مـــآت طـــيبات .... نثرناها على الدنـــيا ورودا
شبابك كلما دعــت المعالي .... تهادو تحت رايتـــها جنــودا
............
كان الشاعر "نصر سمعان" يُدعى إلى المشاركة في المناسبات الوطنية والقومية والاجتماعية التي كانت تقيمها الجالية العربية في البرازيل، لكن المناسبات التي استأثرت بأكثر قصائده هي حنينه اللاهف إلى الوطن:
أرض البطــولة والشمم تستنهض اليـــوم الهمم
أفما تلبّيـــها وقد كادت تلبّيهـــا الرمـــــم
لاتحجبوا عنها النـــدى فالشحّ يعقبــه النـــدم
قام الإباء بقســـــطه ياقــوم فليقم الكـــرَم