كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشنفرى

محسن سلامة- فينكس

هو ثابت بن أواس الأزديّ، لُقِّبَ بالشنفرى لِعِظَم شفتيه، أحد أهمّ عدّائيّ العرب وصعاليكها.
مقدار أوّل وثبة له عندما يعدو: إحدى وعشرون خطوة، والثانية سبعَ عشْرةَ خُطوةً.
سَبَتْ بنو سَلامان الشاعر وهو غلام، وبدأ يرعى البَهْمَ مع ابنة سيّده، فلمّا خلا بها أهوى لِيُقبّلَها، فصكّتْ وجهَهُ، فأخبرتْ أبيها، فخرجَ ليقتلَ الشاعر فوجده يقول:
ألا هل أتى فِتْيانُ قومي جماعةً بما لطمتْ كفُّ الفتاةِ هجينَها
فلمّا سمعَ قوله، وعرَفَ أنّه أخو الحارث بن ربيعة، أنكحه ابنته، وسار بها الشاعر إلى قومه، فسمع أنّ بني سلامان قتلوا والد زوحته، فأقسم أن يقتلَ مئةَ رجلٍ منهم، فطفق يصنع النّبلَ من القرون والعظام.
كان يقوم بغاراته على ماشية هؤلاء الأغنياء ليحضر الطعام لفقراء قومه، ويقتل من فرسان بني سلامان حتّى قتلَ تسعةً وتسعين رجلاً، فانفضّ عنه الجميع، وتخلّوا عن مساندته، وهو العربيّ الذي فُطِرَ على رفض الضيم.
فانحاز إلى الوحوش ليجد عندهم الإنس والدعم، فالوحش أكثر تضامناً من بني جلدته البشر، فُطِرَ الشاعرُ كأيّ عربيّ في ذلك الزمن على رفض الضيم، والثورة على الظلم، فالكريم يجدُ في الأرض الواسعة منأى له عن الذلّ والأذى:
أقيموا بني أمّي صدورَ مطيِّكم فإنّي إلى قومٍ سواكم لأمْيَلُ
ولي دونكم أهلون: سِيدٌ عَمَلّسٌ و أرقطُ زهلولٌ، وعرفاءُ جَيْأَلُ
سيد: الذئب، عملّس: القويّ الشديد السير، أرقط: من صفات النَّمِر، زهلول: الأملس، عرفاء: صفة للضَبع الطويلة العرف، جيأل: من أسماء الضبع.
عندما مات كانت وصيّته ألّا يُقبر قريباً من البشر الذين خذلوه في ثورته الفرديّة العفويّة.
قال:
لا تقبروني إنّ قبري محرّمٌ عليكم ولكن أبشري أمّ عامرِ
أمّ عامر: من ألقاب الضبع،
فجوف الضبع أولى بجثّته من أرض لم يجد فيها العدل والخير والحبّ والمساندة، قيلَ مات فارس من بني سلامان وقد ارتطم بجثمان الشاعر وهو مسرع فكان بذلك قد وفى الشاعر بقسمه.
فقد البشر إنسانيّتهم، والوحش خير منهم، فنشأت ظاهرة الصعلكة التي تضمّ الفرسان الأشدّاء. يقول ابن منظور: صعاليك العرب ذؤبان لأنّهم كالذئاب، وُجِدوا في مناطق خصبة بالمال إلى جوار فئة فقيرة من الصعاليك خلقتها الصحراء خلقاً قويّاً، فكان سبب قيام ثورة هؤلاء الصعاليك سوء توزيع الثروة، والنزعة المستعلية عند الأغنياء، كلّ ذلك أدّى إلى سلوك صراعيّ في مواجهة النظام الذي لم يحقّق طموح الناس، فوجد الصعاليك في الصعلكة ضريبة يدفعها القويّ للضعيف، وفكرة اشتراكيّة تشرك الفقراء في مال الأغنياء.
فهل نجد اليوم من يسعى أن يشرك الفقراء في مال الأغنياء؟!