كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الدكتور الواعي الجريء الصديق طيب تيزيني

محمد خالد عمر:

عام 1984 كنت المرشد الثقافي في ثقافة ادلب يوم استضفت الدكتور طيب من دمشق، تلك الأيام كانت المواصلات من دمشق إلى حلب فادلب، وصل ادلب في الثالثة بعد الظهر. اقترحت عليه الغداء فرفض، ثم عرضت عليه توصيله إلى الفندق الوحيد في المدينة ليرتاح من عناء السفر، فأجاب هو يفضل التعرف إليّ على الاستراحة.. سبحاً طويلاً من الثالثة إلى السابعة مساء. حدثني عن نفسه عن دراسته عن زوجته الألمانية التي غادرت إلى ألمانيا مع أولاده.
في السابعة ألقى محاضرته غير المكتوبة، وناقشه الحضور ممن كان متوافقا مع أفكاره، ومن كان معارضاً لها، وهو بهدوئه المعهود ينضح من مخزون ثقافي لا ينضب معينه.
سهرت معه أستفيد من علمه وتجاربه، واتفقنا على اللقاء في الصباح، وفي السابعة صباحاً اتصل بي قال: أريد رؤيتك الآن. خطر لي أنّ الرجل سيسافر باكراً. ولما وصلت إليه. قال: أريد أن أزورك في البيت، وقبل ذلك أرني سوق المدينة. في السوق وبمشوار صباحي جميل رأينا "أرزاق ادلب وتناولنا الشعيبيات الادلبية.
هنا قال: لم أر محل بيع ألعاب للأطفال، قلت: لا يوجد إلا المجمع الاستهلاكي والمجمع مغلق قال: ننتظره.
اشترى من المجمع أربعة ألعاب. ثم انطلقنا إلى البيت فتحت الباب على أطفالي الذين عسكروا جميعهم وراء الباب بين باك، وغاضب، وضاحك مستبشر، وبين لابس ثيابه ومتعر "أكبرهم ست سنوات، وأصغرهم سنتان" جلس الدكتور الطيب القرفصاء وحمل الأولاد بحضنه، وجلس يلعب معهم. ومنذ ذلك التاريخ صار الرجل صديقاً. كنت معجباً بإنسانيته وحبه للطفوله. زرته في منزله في مشروع دمّر وزارني في ادلب، واحتفظ الأولاد بهدايا عمو الدكتور طيب.
كان آخر لقاء بيننا كان عام 2014م التقيته صدفة مع زوجته خارجاً من مشفى العيون أمام الفندق الذي أبيت فيه. رجوته الاستراحة في الفندق. قال لزوجته نستريح عند أبي خالد. وجلسنا طويلاً تحدثنا واتفقنا على تكرار اللقاءات لكن نصيبنا أن لا نلتقي بعدها.
رحمك الله دكتور طيب تيزيني الإنسان، المفكر الفيلسوف وأسكنك فسيح جنانه وتعازينا لأهلك وأولادك ومحبيك.