كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الجركس

صفوان زين:

الجركس (الشركس) أكلة شركسية الأصل كما يدل عليها اسمها. يحيط بها الغموض من كل جانب. انتشارها في اللاذقية كان محدوداً واقتصر على بعض العائلات اللاذقانية البورجوازية المسلمة وخاصةً تلك العائلات التي لها جذور غير عربية مما يؤشر الى أن هذه الأكلة دخيلة على مطبخنا اللاذقي التاريخي.
والأرجح أن الاتراك العثمانيين وتحديداً الشراكسة منهم هم من أتى بها الى اللاذقية، وانتشرت بين عدد محدود من العائلات بوصفها من الأصناف الفاخرة التي تقدَّم على موائدها.
ولعل آل هارون ذوي الأصل الألباني هم أول واشهر من اشتهر بها، ثم راحت تنتشر تدريجياً في أوساط العائلات السنية، وتقدَم على موائدها كصنفٍ رئيسي.
تمخض، عن هذا الانتشار للجركس، صنفان رئيسيان الأول هاروني نسبةً الى آل هارون ذوي الأصل الألباني، والثاني صوفي نسبةً الى آل الصوفي ذوي الأصل الموريتاني، وتحديداً الساقية الحمراء بين المغرب وموريتانيا.
ولكي نكون أكثر تحديداً فإن الصنف الهاروني ظهر أول ماظهر في بيت سياسي عريق هو بيت عبد الواحد أفندي هارون، في حين أن الصنف الصوفي تطور وخضع لعملية تعديل وتحول يكاد يكون نوعياً في بيت عالِم دين عريق هو الشيخ محمد عارف الصوفي.
وبالمناسبة فإن الشيخ عارف الصوفي هو جدّي لوالدتي، وبالرغم من ذلك فإن والدي المستبد المصري الأصل الهاوي للكوشري كما أتصور قد حرّم على والدتي طبخ الجركس في بيتنا لسبب بسيط وهو أنه (ما قطع بعقلي) كما كان يقول، وكان يتأسف على التضحية بديك أو دجاجة في سبيل أكلة لا تستأهل برأيه التضحية بشلفون، وبذلك قدّم الدليل على أصله المصري الدمياطي، وبكونه سليل ذلك الحاكم بأمر الله الخليفة المصري الفاطمي الذي حرّم على الشعب المصري أكل الملوخية لأن جلالته لم يستسغ طعم الملوخية، فكان أن دفعنا نحن أولاده ثمناً فادحاً بأن حُرمنا من هذه الأكلة طيلة حياة الوالد إلى أن توفاه الله ومن بعده انكببنا على طبخ الجركس الى درجة أنه طلع من أنوفنا كما يقال، ولم نكتفِ بذلك بل رحنا نعممه وننشره لدى شرائح المجتمع اللاذقي وطوائفه الى درجة أنه وصل الى جميع الطوائف، وأصبح من الأصناف الفاخرة على طاولة عائلة دولاكي الفرنسية الأصل وذلك في مطعمهم الشهير مطعم البندة الرائع المفتتح في السبعينات من القرن الماضي.
كما أن الصديق المرحوم كلود مرقص قدمه في مطعمه المفتتح في بيروت
في ذلك الزمن تحت اسم لاوديسية قدمه بوصفه صنفاً لاذقانياً حصرياً وبامتياز. أختم حديثي عن الجركس بأنني، وبالرغم من ولعي به، وبالرغم من كونه جزءاً من تراثنا العائلي فإنني للآن لا أعرف ممّا يتكون على وجه الدقة، ولا كيف يُطهى، إنما بالمقابل أجيد التهامَه بشهية لا تقاوَم.