طقوس رمضانية في فلسطين راسخة منذ سنين
لقمان الشيخ- فينكس:
صحيح أن لشهر رمضان طقوس وشعائر مختلفة في كل بلاد المسلمين عبر بقاع العالم، لكنه في فلسطين يتميز بنكهة أخرى وخصوصية تجلت معالمها في السباق نحو الاعتكاف في باحات وساحات القبلة الأولى للمسلمين وثالث الحرمين الشريفين، فمنذ اليوم الأول للشهر المبارك يتزاحم الآلاف من الفلسطينيين، نحو زيارة الأقصى الذي تحوّل إلى عقيدة وهوية وطنية تجمع أهل القدس بسائر الفلسطينيين من مختلف المدن والقرى الذين يتوافدون إليه، فلا ينتهي الشهر حتى يزوره معظم الشعب الفلسطيني من الضفة ومناطق 48، متحدين بذلك الاحتلال ومضايقاته وحواجزه العسكرية، فلا يهم، طالما أن الغاية هي الوصول إلى المكان وحتى لا يستباح للمستوطنين، كما أنهم يحرصون على عمارة المساجد خلال شهر رمضان، فترى الصغار والكبار يقبلون على أداء الفرائض في المساجد، خصوصاً صلاتي الفجر والتراويح، كما يقبلون على حلقات العلم وتلاوة القرآن الكريم.
وبعيدا عن زيارة المساجد فصيام رمضان يكون له مذاق مختلف طالما أنه على أرض فلسطين، فالإفطار الجماعي لا يغيب عن شوارع القدس والخليل ونابلس وغيرها من المدن الفلسطينية، حيث تجتمع العائلات والجيران على طاولة واحدة يتشاركون في إعدادها، فشهر رمضان شهر الخير والبركة، وفيه تزداد أواصر العلاقات الاجتماعية والأسرية بين الأسرة والعشائر، وتتجلى صور التكافل الاجتماعي، فالعديد من المسلمين يشعرون بقداسة وخصوصية هذا الشهر الكريم عن باقي الشهور السنة سواء في السلوك أو في العلاقات أو الإفطار والسحور وحتى في التعامل فيما بينهم.
ورغم تشابه العادات والتقاليد بين بلاد المسلمين لكن لفلسطين خصوصية، فهي التي تعيش تحت سيطرة الاحتلال الذي لا يضيع فرصة لتنغيص حياة الفلسطينيين، ولكن هذا لم يضعفهم ولم يزعزع عزيمتهم، فرغم المعاناة والآلام، يزيد الناس في تواصلهم وتوادهم وتراحمهم خلال أيام هذا الشهر المبارك، وتمتد الأيدي الرحيمة لتمسح دموع الأيتام وترعى أسر الشهداء والأسرى، وتقوم الجمعيات بتنظيم خرجات يتشارك فيها الناس للمستشفيات وتقديم الهدايا والدعم النفسي للمرضى، وتزداد صلة الأرحام، ويتسابق أحباب الخير لإفطار الصائمين على أبواب المساجد، ومن أهم سمات رمضان في فلسطين، تبادل الإفطار الأسري وهي العادة التي تعكف ربات البيوت على الحفاظ عليها خلال هذا الشهر، حيث تتفنن في إعداد ما لذ وطاب من الأكلات الفلسطينية التقليدية وتبادلها مع الجيران، وتحمل هذه العادة في جوهرها على حيلة مخفية ابتكرت في الأساس للكشف عن بيوت المحتاجين، فأقل الصحون احتواءً على الطعام يدل على أن أصحاب بيته من المحتاجين دون الحاجة للسؤال.
في الحديث عن الأكلات لا بد من الحديث عن المطبخ الفلسطيني والذي بتنوع بأصناف الطعام والشراب في شهر رمضان، فكل منطقة في فلسطين تتميز بنوع معين من الأكلات، فلا يخفى على أحد الكنافة النابلسية التي لا تعوضها تحلية أخرى، عقب إفطار بالمقلوبة، أو المسخن، أو المفتول، أو القدرة الخليلة، التي تغزو موائد غزة والخليل، بينما يتربع على عرش موائد الإفطار في الضفة الغريبة المسخن والمنسف، ولا تخلو موائد الإفطار الفلسطينية من المتبلات والمخللات والسلطات المختلفة لفتح الشهية والزيتون والزيت والزعتر بأنواعها والتي يبدأ العديد من الصنائعية في تحضيرها أيام قبل بداية شهر رمضان المبارك.
في المدن الفلسطينية الكبرى، كالقدس والخليل ونابلس ورام الله، وفي فترة الغروب، يشدك منظر الأطفال وهم يحملون الأطباق بين البيوت فلرمضان في نفوس الأطفال طعما خاصا، حين يعيشون عاداته التي تكسر روتين الشهور، في السحور والتقاليد الخاصة، وصلاة التراويح.
في حين أن المدن والقرى الفلسطينية، تكون أكثر هدوءا وزينة حيث يبحث الأهالي عن حياة عادية، من خلال التقليد المتوارث في استقبال الشهر الفضيل، بتزيين المنازل والمساجد والشوارع والأزقة والميادين الرئيسية، بالفوانيس الرمضانية المزركشة، والمصابيح وحبال الزينة والأهلّة، التي ترفع منسوب البهجة بحلوله ومنح فرصة أكبر للترابط الأسري، والأجواء الروحانية، فبدت فلسطين بكرنفال مدجج بالزينة والمصابيح والفوانيس، التي أخذت تتلألأ بالأضواء، في أجمل ترحاب بهذا الزائر الكريم..
وبين هذه الأجواء الفلسطينية الرمضانية لا تزال فرحة الشعب الفلسطيني غير مكتملة بمحتل يقتحم مساجدهم ويفسد اعتكافهم ويغتصب أرضهم ويسعى لتهويد الأقصى وتدنيسه بذبح القرابين واقتحام المستوطنين، وعلى الرغم من كل هذا ستظل فلسطين شامخة بشعبها وتاريخها وشبابها الذين يقاومون المحتل بكل الوسائل المتاحة.