كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

شخصيات من تراث مواسم الحصاد في الساحل السوري

يهزُّ الرجلُ الأوّل بين الحواصيد والمسمى بالطارود منجلَه المزخرف المسنون، وإلى جانبه وللخلف قليلاً الرجل الثاني والمسمى بالرعدان، معلناً قيادته لمجموعة الحصاد والمسماة تراثياً "الشدة"، فيلقي نظرة سريعة على الحقل، ثم يحني ظهره المطواع المرن مرتين للأمام والخلف في إشارة منه لبدء العمل.

ويعدُّ الطارود شخصية محبوبة لطيفة دمثة لا تتكرر في المنطقة الواحدة أو القرية الواحدة، ويمكن عدُّها شخصية عامة أيضاً يتم البحث عنها دوماً من قبل أصحاب المساحات الزراعية الكبيرة لتكون قائدة لمجموعة العمل.

قائد الحصاد

يتمتع الطارود بصفات جسدية كثيرة منها القبضة القوية لليد اليسرى والساعد القوي لليد اليمنى والمرونة العالية للجسد لأن عليه البقاء محنيَّ الظهر لساعات خلال العمل ويتوقف لدقائق، ينتصب ومن ثم يتابع العمل محني القامة لساعات حتى يحين موعد وجبة الطعام، كما أنّ أداة الحصاد بيده والمسماة المنجل تكون مميزة عن بقية مناجل العاملين بالحصاد، وذلك من حيث طول الطرف الحاد في المنجل الذي يقطع السنابل بسلاسة وبلمح البصر وبكمية كبيرة، وتتزين قبضته بنقوش عربية أو باسم صاحبه، وفي نهاية هذه القبضة تعلّق السباحات وهي مجموعات من الخرز المتدلي بخيوط قصيرة.

 يتحدث الباحث في تراث الساحل السوري "حسن إسماعيل" عن بعض صفات هذه الشخصية ويقول: «لباسه التقليدي يرتكز على الموروث الشعبي كالشروال والقميص ذي اللون الفاتح ومنديل الرأس والبريم، ولكل منها فائدة في أيام الحر الشديد، فحركة الشروال يميناً وشمالاً تدلُّ على الغمارة خلف الطارود في أي جهة سيضع غمر القمح، واللون الفاتح للقميص يخفف من درجات الحرارة وكذلك منديل الرأس الذي يحميه من ضربة الشمس، كما أن جدارة الطارود تظهر فعلاً في المساحات الزراعية الكبيرة كما في منطقة سهل الغاب حيث كان يقصدها الطواريد من مختلف المناطق الساحلية للعمل، ومع كل منهم كامل أعضاء فريق العمل، وهناك كانت تحدث المنافسات الكبيرة والتحديات للفوز بوليمة عشاء دسمة يعد بها رب العمل».

ويضيف الباحث: «أذكر أنه كان يوجد في ريف مدينة بانياس طارود واحد يدعى "علي عباس" وآخر في ريف القدموس يدعى "طاهر زيدو"».

الرعدان والغمارة

المساعد الأول للطارود يدعى "الرعدان" وهو الرجل الثاني في فريق العمل ومكانه دوماً إلى يسار الطارود وللخلف قليلاً، ولا يقل عنه شأناً وجدارة في العمل ولكنه أقل سرعة وكفاءة وإنتاجاً، كما أن منجله أصغر ولا يحصد بالحركة الواحدة كمنجل الطارود، وتتميز هذه الشخصية بالنباهة وسرعة البديهة وفهم حركات قائد "الشدة" الدالة على تعليمات العمل المباشرة، وتنفيذها بدقة وسرعة، ومهمته أيضاً حصاد السنابل المتبقية سهواً خلف الطارود، وبالعموم هما يسيران بالعمل بخطين متوازيين، ويقول الباحث التراثي "إسماعيل": «من أبرز الصفات التي يجب أن يتمتع بها الرجل الثاني في حقل الحصاد "الرعدان" الصبر وعدم الملل خلال العمل بل على العكس يجب عليه أن يبقى مثابراً في العمل خلف الطارود ينهي ما يفوته».

الشخصيات المتبقية

و"الشدة" أو مجموعة العمل لا تكتمل إلا ببقية شخصيات وعمال الحصاد الذين لا يقلون أهمية عن غيرهم خلال العمل، كشخصية "الغمارة" التي تعمل مباشرة خلف الطارود بهمة ونشاط وتتركز مهمتها على جمع مجموعات السنابل المحصودة والمسماة بالغمر وربطها مع بعضها بسنبلة وتجهيزها بمجموعات كبيرة بارتفاع متر وعرض متر تقريباً تسمى الغِمار، وهذا عمل ليس سهلاً أو بسيطاً كما يعتقد البعض، لأنه يحتاج إلى دقة وسرعة في الأداء، بحسب حديث المعمر "مرشد عبود" من ريف القدموس حيث قال: «بين عمل الطارود وعمل الغمارة عمل مهم جداً يقوم به ما يسمى بالسنبيلية، ومهمتهم جمع السنابل التي تسقط من الطارود والغمارة ووضعها ضمن مجموعات الغمار السابقة، ليأتي بعدهم دور عمال النقل أو "الرواجيد" وفق التسمية الشعبية المتوارثة، فينقلوا الغمار من الحقل إلى البيادر بواسطة المواشي، وهذا عمل صعب يحتاج إلى جهد عضلي كبير وقوة بدنية، لأن البيادر عادة ما تكون في منتصف المسافة بين الحقول».

هي شخصيات الحصاد التي تجتمع سنوياً في مواسم الحصاد لتشكل خلية عمل واحدة نتائجها تنعكس إيجاباً على الجميع.

نورس محمد علي

مدونة وطن