كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"وهران".. من يأتي فقيراً إلى أسوارها يذهب غنياً

  • ابن خلدون: وهران متفوقة على جميع المدن الأخرى بتجارتها وهي جنة التعساء. من يأتي فقيراً إلى أسوارها يذهب غنياً.
  • الادريسي: وهران على حافة البحر، تواجه الميرية على الساحل الأندلسي ويفصلهما يومين من الإبحار.. مرسى الكبير هو ميناء ليس له مثيل في كامل الساحل البربري تقصده سفن الأندلس غالباً.. وهران وافرة الثمار.. سكانها هم رجال أفعال، أقوياء وفخورين.
  • ابن خميس: المدينتين الساحليتين التين أعجبتاني في المغرب العربي هما وهران خازر وجزائر بولوغين.
  • ليون الافريقي: وهران مدينة كبيرة تتوفر على مرافق وجميع أنواع الأشياء اللائقة بمدينة طيبة كالمدارس، الحمامات، المستشفيات والفنادق، يحيط بالمدينة سور جميل عال». 

وهران  هي  إحدى أهم مدن المغرب العربي وثان أكبر مدن الجزائر بعد العاصمة.. وتنطق باللهجة المحلية (الملقبة بــالباهية) تقع في شمال غرب  الجزائر على بعد 432 كيلومترا عن الجزائر العاصمة، مطلة على خليج وهران في غرب البحر الأبيض المتوسط.. ظلت المدينة منذ عقود عديدة ولا تزال مركزا اقتصاديا وميناءً بحريًا هاما.

يحدها من الشمال خليج مفتوحة ومن الغرب جبل مرجاجو (420 متر) وهضبة مولاي عبد القادر الجيلاني.

يقع تجمع المدينة على ضفتي خور وادي الرحي (جمع رحى) المسمى الآن وادي رأس العين.

شّدت المدينة منذ القدم اهتمام الحضارات المختلفة وأطماعها، فتقلب حكمها بين سلالات حاكمة محلية من عرب وأتراك عثمانيين وبين محتلين إسبانيا وفرنسا.. اذ وضع كل منهم بصمته لتزين به المدينة فسيفساءها التراثي والثقافي.

 بعد استقلال الجزائر شهدت المدينة تطورات مهمة جعلت منها ثاني مدن البلد وقطباً اقتصادياً وعلمياً مهماً.. تنوع النشاط الاقتصادي فيها من صناعات كبيرة وصغيرة استفاد من مجاورتها لمدينة "أرزيو" النفطية، كما أصبحت المدينة قطباً تجارياً بفضل مسنائها البحري النشط الذي شكل المنفذ الأساسي للتجارة الخارجية لكل الناحية الغربية للجزائر.

الثقافة الوهرانية صنعت للمدينة سمعة إقليمية وعربية وحتى عالمية.. فاشتهرت المنطقة بشعراء ما يسمى بالملحون  الذي شكل المعين الذي غرفت منه الأغنية الوهرانية عبر شيوخ الوهراني وأغنية  "الراي" لاحقا لتصل به لآذان العالم عبر شباب المدينة.

كان للمسرح أيضا نصيب تشهد عليه مسرحيات عبد القادر علولة وغيره.. هذا التنوع جعل من المدينة مكان جذب للسياح فلا تزار الجزائر دون زيارة وهران. وقد فتح هذا المجال للاستثمار في البنية التحتية لقطاع السياحة فتعددت الفنادق الفخمة والمنتجعات السياحية التي استغلت جمال شواطئ المنطقة.

وفقا للتفسير الأكثر شيوعا بين العامة، فكلمة «وهران» هي مثنى اللفظة العربية "وهر" وتعني الأسد.. لكن أغلب المؤرخين لم يوردوا هذا التفسير.. لذا فإن من المرجح أن يكون الاسم من أصل أمازيغي، نسبة إلى واد الهاران أو إلى أسود الأطلسي  التي كانت تعيش في المنطقة والذي ورد اسم كل منهما في التاريخ بتهجئات مختلفة.اسد وهران

الأسطورة تحمل تفسيرا للرواية الأولى وتقول أنه تم اصطياد الأسود الأخيرة لهذا الساحل المتوسطي في الجبل المجاور لوهران المدعو "جبل الأسود".. وأعطى للمدينة هذا الاسم صائد الأسود السابق سيدي معقود المهاجي تكريماً لأسدين قام بترويضهما.

 وقد تم تنصيب تمثالين برونزيين كبيرين لأسدين أمام مقر البلدية في إشارة إلى اسم المدينة.. وضريح (قبة) سيدي معقود المهاجي يوجد في مقبرة سيدي الفيلالي في حي الصنوبر.

يُذكر أن وهران كانت تعرف سابقا باسم"إيفري" وتعني  باللغة الأمازيغية الكهف وهي تسمية مرتبطة دون شك بالكهوف العديدة المتواجدة بالتلال المحيطة بوهران.

ذكر الكثير من الباحثين والمؤرخين بأنه يلزم مئات الكتب للإحاطة بجميع الأبعاد الخفية لوهران. وهذا ما يفسر تنوع مواضيع الكتب حول المدينة، فبعضها يحكي تاريخها عبر القرون وأخرى تتحدث عن الحياة اليومية لوهران والوهرانيين.

وهران هي محطة التقاء الثقافات وزوال الفوارق

أدت الأحداث التي عانت منها المدينة عبر العصور إلى ظهور روح التسامح، ففيها تعايشت جميع العقائد الدينية والسياسية.. حوار الحضارات مؤكد بها على الرغم من النكهة الدرامية التي تُضاف إلى الأحداث التاريخية والاضطرابات التي جرت بها.

أثبتت بحوث علم الأثار  خلال القرنين التاسع عشروالعشرين.. أن وهران كانت محل نشاط بشري خلال فترات ما قبل التاريخ.. تم اكتشاف العديد من المستعمرات البشرية ومستعمرات الانسان البدائي حسب نظرية التطو مثلاً في (تغنيف بالقرب من  معسكر )تعود لأربعمائة ألف سنة، كذلك مستعمرات كهوف كارتل كوشت الجير ومحجرة أكمول التي تعود للعصر الحجري القديم، والعصر الحجري الحديث.

يحوي متحف أحمد زبانه جناحاً خاصاً بالعصر الحجري الحديث تعرض فيه مجموعات صنعت من الفخار، والعظم، والحجر، منها على سبيل المثال(الأوعية، والمخارز، و رؤوس السهام والفؤوس المصقولة التي اكتشفت بمغارات جبل المرجاجو).

ظهرت قبل 21000 سنة مجموعة إيبيروموريسيين على بعد120 كم جنوب غرب وهران وذلك في منطقة وجدة مغارة تافوغالت تحتوي على أكبر حقل معروف يعود لهذه الحقبة..

استمرت هذه الحضارة وشملت كامل المغرب العربي قبل أن تبدأ بالاندماج تدريجياً حوالي الألفية التاسعة قبل الميلاد مع مجموعات قبصية لتشكل أسلاف الطوارق الأمازيغ (المعروفة في بعض الأحيان باسم "الرجل الأزرق".

العصور القديمة

إذا كانت أسطورة  الكتاب المقدس نسبت إلى  يوشع بن نون والمتبع لشريعة موسى.. تهويد وهران والمغرب العربي، فقد دلت الآثار القديمة الأولى على أن قدوم أوائل اليهود يعود لعهد استقرار الفنيقيين  في المنطقة، كما تشير دراسة المقبرة الكبيرة بقرب منتجع الأندلسيات التي يعود تاريخها لفترة الحضارة القرطاجية ما بين القرن الرابع والأول قبل الميلاد.[

في حين اختار الفينقيون خليج مداغ الصغير غرب وهران لإنشاء محطتهم التجارية، أما الرومان اختار موقع "المرسى الكبير" .

 نقحرة: بورتيس ماغنيس) الواقع على بعد أربعون كيلومتر إلى الشرق بالمكان المعروف اليوم ببطيوة كان كل من ميناء وهران والمرسى الكبير يعرفان خلال العهد الروماني بالميناء الإلهي ياللاتينية يونيكا كولونيا كانت منطقة وهران الرومانية تسمى "يونيكا كولونيا"، Unica Colonia، بمعنى "المستعمرة الفريدة.

العديد من التماثيل القديمة التي وجدت في الإقليم الوهراني يمكن مشاهدتها بمتحف أحمد زبانه. خلال القرن الثاني للميلاد عرفت المنطقة هجرة لليهود من برقة ومصر مثل بقية المناطق المغاربية.

 حفز الوجود الروماني على وصول المسيحيين ويشهد على ذلك الكثير من مخلفات القرن الرابع للميلاد والتي يوجد بعضها في متحف وهران.

اختفاء يونيكا كولونيا

مع انهيار الامبراطورية الرومانية.. سقطت المدينة بأيدي الوندال ا عام 445 من ثم جاء البيظزنطيين سنة 533 م. شهدت المدينة ابتداءً من عام 541 م ظهور موجة طاعون عُرفت باسم "طاعون جستنيان"، وفي سنة 645 م، فتحها المسلمون.. وبعد تأسيسها كانت وهران محل نزاع بين أمراء قرطبة الأمويين والفاطميين، فقد دام الصراع حول المدينة من سنة 910 حتى سنة 1082م، حيث خضعت لهؤلاء تارة ولأولئك تارة أخرى.

منذ العام 1000م كانت الجالية اليهودية موجودة ومنظمة في وهران، وفي هذه الحقبة كانت المكانة الإستراتيجية لوهران تفوق الجزائر وتلمسان سنة 1077م سقطت المدينة بيد يوسف بن تاشقين مؤسس الدولة المرابطية وخضعت له لمدة 68 عام.. وفي سنة1145م   وقعت وهران بقبضة قوات عبد المؤمن بن علي الكومي الموجدية المنتصرة قي تلمسان  وذلك بعد مقتل إبراهيم بن تاشقي ومحظيته عزيزة إثر انقلابهما وحصانيهما بأحد منحدرات  جبل مرجاجو عندما كانا يقصدان الميناء من أجل التوجه إلى الأندلس.

عرفت المدينة تحت حكم الموحدين فترة طويلة من الاستقرار والازدهار لأكثر من قرن طوروا خلالها الميناء وأحواض السفن.

 على الرغم من اضطهاد الموحدين، تطور المجتمع اليهودي فكانت هناك تجارة بين يهود غرب المتوسطي ويهود وهران في الفترة ما بين  القرن الثاني عشر والرابع عشر.

بدأت إمارة الموحدين تنهار شيئاً فشيئاً، بعد أن حكمت المغرب العربي لعشرات السنين ليولد من رحمها في نهاية المطاف ثلاث سلالات حاكمة: الحفصيون ستة 1230و الزيانيون سنة 1235 والمرينيون سنة .1258.

أصبحت وهران تحت حكم الزيانيين منذ سنة1228 عندما سقطت بيد يغمراسن بن زيان

فيما بعد أخد المرينيون المدينة وقدم أبو الحسن علي بن عثمان ليستقر بها عام1347 م.

في أقل من نصف قرن مرت وهران تحت تسع سلطات مختلفة.. نجح بن عباد في البقاء على رأس حكومة وهران، بشرط الاعتراف بتبعيته للحفصيين.

  (1437) احتضنت وهران بين أسوارها في هذا الوقت محمد التاسع الأيسر الملك الخامس عشر لمملكة غرناطة الذي أجبر على الفرار من رعاياه المتمردين. بعد وفاة بن عباد خضعت وهران لحكم  الزيانيين وتحت هذا الحكم الجديد عرفت وهران ازدهاراً كبيراً، فقد أصبحت مركز لنشاط تجاري واسع ونشيط جداً.

 شهد على ذلك مارمو وألفاريس غوميس (العاج، جلود النعام، جلود البقر المدبوغة، الذهب والحبوب) هي مصادر ثروة السكان التي لا تنضب الذين برعوا أيضاً في صناعة الصوف والأسلحة البيضاء.

 أقدم سكان (البندقية، بيزا، جنوة، مرسيليا وكتالونيا)  على شراء هذه المنتجات، ويسوقون (الأقمشة، الخرز، الحديد والخردوات) كان في وهران آنذاك 6000 منزل، وعدّة مساجد رائعة، ومخازن كبيرة، ومباني تجارية جميلة كثيرة.. وعدة مباني بارزة تعود لهذه الفترة مثل تحصينات المرسى الكبير وربما ملاجئ روزالكزار.