كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

اللغة الأوغاريتية و اللهجة العامية في الساحل السوري..

د. غسّان القيّم:

يتميز أهل ساحلنا السوري الجميل- خاصة أهل اللاذقية مدينة وريفاً- بمجموعة من الكلمات و المفردات الغريبة اللفظ بالنسبة للغة العربية الفصحى.

هذه اللفظات التي تختلف باختلاف المحافظة والمنطقة، فمثلاً لسكان طرطوس أو بانياس مصطلحات تختلف عن سكان اللاذقية وجبلة، والتي تحولت مع الأيام لتضفي طابعاً خاصاً على المنطقة وارثها، دون أن يكون الكثيرين دراية أن هذه الكلمات تعود أصلاً للغة الأوغاريتية، الى حضارة عمرها أربعة آلاف عام غبرت.

إن هناك تشابهاً كبيراً بين اللغة الأوغاريتية (نسبة إلى أوغاريت)، منذ 1500 ق.م، واللهجة العامية حالياً في الساحل السوري وفي اللاذقية على وجه الخصوص
 حيث يعود إسقاط حرف النون في بعض الكلمات العامية المتداولة إلى اللغة الأوغاريتية، ومن مثال ذلك يقول أهل الريف الساحلي: ( بت) عوضاً عن (بنت)، (أتّ) (أنت)، أف (أنف) حطة (حنطة).

ومن الكلمات المميزة التي تميز بها أهلنا في مدينة اللاذقية كلمة رائجة جدا هي كلمة “عيّن” التي تعني انظر، وتستخدم هذه الكلمة كثيراً في تداول حديثنا.

ويعتقد كذلك أن الكلمات العامية التي تنتهي بـ “هنه”، وتنتشر في بعض حارات اللاذقية، مثل “أخدوهنه، ضربوهنه، جابوهنه.. وغيرها”، مأخوذة من الأوغاريتية، حيث كان شعب أوغاريت يضيفها إلى بعض مفرادته التي تتردد على ألسنة القرويين في جبال اللاذقية، هي لفظة دعاء واستجارة توارثها الأبناء عن الآباء عبر آلاف السنين وقد ظلوا يكررونها حتى بعد أن نسوا معناها الحقيقي الذي يعود بنا إلى أهلنا في أوغاريت منذ أكثر من أربعة آلاف عام مضت وانقضت من عمر ازدهار هذه المدينة العظيمة.
و من الكلمات التي يدرج أهل ريف اللاذقية و الساحل عموماً، على استخدامها كثيراً، كلمة (أيلي) هذا الكلمة تعني: (يا إلهي... يا الله). فمن المعروف أن الإله (إيل) هو رئيس مجمع الآلهة، و كان يلقب بعدة ألقاب منها: (أبو البشر) و (رب الدهور) في مدينة أوغاريت. و كانت عبادته شائعة في كل مناطق الهلال الخصيب، و صورته مكتشفات أوغاريت و منحوتاتها الأثرية، على شكل رجل طاعن في السن، مهاب، يجلس على كرسي العرش في السماء السابعة.
أوغاريت ستبقى بالنسبة لنا حكاية عشق سرمدية تبدأ فصولها ولا تنتهي، وعندما تزورها وتتطلع على مكنونات حضارتها، عندها ستدخل معها في حوار صامت يأخذك إلى فضاء لازوردي أزرق واسع رحب.