كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"فينكس" في حوار خاص مع مدير عام الآثار والمتاحف السورية

د. عوض: تهريب مئات الآلاف من القطع الأثرية إلى الخارج.. وعرضها للبيع على مواقع التواصل الاجتماعي

نحتاج إلى سنوات طويلة بعد انتهاء الحرب لإعادة ترميم الآثار السورية
اتفاقيات دولية مع اليونيسكو والإنتربول من أجل استرداد التراث المنهوب
 
دمشق- ميليا اسبر – خاص فينكس:
تعرض تراث سورية الثقافي خلال سنوات الحرب للتعدي والتخريب بعد أن كانت بوتقة انصهرت فيها حضارات العالم أجمع لتعطي حضارة سورية استثنائية لها ملامحها الخاصة فهي مهد الحضارات وفردوس الآثاريين.
فقدان معالم سورية الأثرية يعني ضياع هوية السوريين، ماضيهم - حاضرهم ومستقبلهم، ما حصل للإرث الثقافي كارثة وطنية تشطر القلب وتدمي العين، لذلك كان الحفاظ عليها واجب وطني ومقدس على الجميع، والدفاع عنها معركة انسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
عن واقع الآثار السورية، وماهي إجمالي خسائرها حتى اللحظة، وكم من الزمن بحاجة لإعادة الآثار إلى سابق عهدها، ماذا عن تجارة الآثار وبيعها خارجاً في السوق السوداء..؟
لمعرفة تفاصيل هذه المحاور وغيرها كان لجريدة "فينكس الإلكترونية" حوار خاص مع المدير العام للآثار والمتاحف في سورية الدكتور نظير عوض:آثار سورية
• أهم المواقع الأثرية التي تعرضت للنهب والسرقة، يقال أنها تجاوزت 500 موقع أثري؟
يقول د. عوض هناك الكثير من المواقع تعرضت للتخريب و لأعمال تنقيب عشوائية بهدف الحصول على كنوزها، بينما تعرضت مواقع أخرى مهمة جداً لأضرار جسيمة كموقعي ايبلا وماري، حيث طالت السويات والطبقات الأثرية، منوهاً أنّ مجموعة خبراء سوريين زاروا الموقعين وبدأوا بإعداد تقرير فني لتحديد الضرر بدقة عن طريق استخدام صور ثلاثية الأبعاد، إضافة إلى تلال جرفت بالكامل كتل عجاجة أو تل قرامل في حلب، إلا أنه من المستحيل إحصاء تلك المواقع لأسباب أهمها أنه لم يتم الانتهاء من المسوحات والدراسات التي تجريها المديرية في الأماكن المحررة لتحديد هذه المواقع وهذا أمر ليس بالسهل ويحتاج وقت طويل جدا وعمل كبير، كما أن هناك مواقع حتى الآن كمدينة الرصافة ودورا أوربس لم نستطع زيارتها للوقوف على ما حصل فيها من تعديات لأنها ما تزال خارج السيطرة، من هنا يمكن القول أن العدد ربما يكون أكثر بكثير من 500 موقعا.
• ماذا عن عمليات التنقيب غير المشروعة للمواقع الأثرية، وتهريب القطع الأثرية للخارج وبيعها في السوق السوداء.
أشار د. عوض إلى أنّ المواقع تعرضت للتنقيب من قبل عصابات ولصوص الآثار وكل ما خرج من هذه المواقع وجد طريقه إلى الخارج، هذا الأمر كان قبل سنوات منتشراً بشكل كبير جدا عندما كانت الحدود مفتوحة بدون رادع، وتالياً يستطيع أيّاً كان تهريب القطع الأثرية عبر الحدود إلى دول العالم، كاشفاً عن معلومات تشير بوجود مئات الآلاف من القطع هربت للخارج وعرضت على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف بيعها، لافتاً أن مديرية الآثار رصدت بعض القطع المهمة كالنصب الآشوري الذي عرض في لندن في بونهامز، وكان قد سرق سابقا من تل الشيخ حمد وتم ايقاف بيعه، وحاليا يوجد محاولة لإعادته عن طريق المحاكم الدولية والطرق القانونية إلى سورية، إضافة إلى قطع أخرى تدمرية، آملين بعد أشهر أن يتم استرداها من الخارج، منوهاً أن عملية تهريب الآثار لم تتوقف حيث كانت موجودة قبل الحرب، لكنها ازدادت ونشطت بشكل واضح جدا خلال العشر سنوات الماضية.
• قيمة إجمالي خسارة التراث السوري ولو يشكل تقديري، وكم يلزم من الزمن لإعادة الآثار كما كانت عليه سابقاً.
د. عوض كشف أنّ ما حصل للتراث الثقافي كارثة وطنية بكل معنى الكلمة، وهناك مواقع مثل ايبلا و ماري - تدمر - دورا أوربس - الرصافة وأفاميا، كلها تعرضت لأضرار كبيرة منها ما يمكن اصلاحه إذا ما تحدثنا عن مواقع فيها مبان تعود للفترة الكلاسيكية الرومانية والبيزنطية مثل تدمر رغم أنها فقدت جزء من أصالتها بعد أن دمرها تنظيم داعش، لكن هذا يحتاج مزيدا من الوقت لأن البلاد ما تزال تعاني الحصار ما يمنع اطلاق مشاريع ترميم على مستوى يطال أغلب المواقع الأثرية.
ويتابع عوض حديثه: أنه ما لا يمكن اصلاحه هي السويات في التلال الأثرية التي دمرها الارهاب باستخدام آليات ثقيلة في عمليات التنقيب، لذلك من المستحيل بمكان الحديث عن ومن محدد لإعادة ترميم الآثار إذا لم يتوفر حصر كامل للأضرار التي طالت المواقع الأثرية، لافتاً أن وزارة الثقافة تسعى إلى فتح آفاق لأعمال الترميم عن طريق إبرام اتفاقيات مع الدول الصديقة للبدء بأعمال ترميم في أماكن مهمة كتدمر وغيرها لكن العمل بهذا الموضوع يحتاج إلى وقت حيث يلزمه الكثير من الدراسات قبل الولوج فيها على أرض الواقع، مؤكداً أنه في حال انتهت الحرب اليوم فإننا بحاجة إلى سنوات طويلة جدا بعدها لترميم التراث الثقافي بشقيه المادي واللامادي، بعد ما أصابه أضرار كبيرة جداً.
• أهم المواقع الأثرية السورية التي كانت على لائحة التراث العالمي وأصبحت على لائحة الخطر.
مدير الآثار والمتاحف بيّن أنّ المواقع الموجودة على لائحة التراث العالمي هي المدن المنسية أو الميتة الموجودة في ريفي حلب وادلب حيث سجلت مع باركات (المواقع الاثرية مع المحيط الطبيعي لهذه المواقع) والبالغة ثمان باركات أثرية سجلت عام 2011 ، إضافة إلى قلعتي صلاح الدين والحصن، تدمر -دمشق - بصرى وحلب، مضيفاً أنّ المدن التاريخية كمدينة حلب تعرضت لأضرار متفاوتة الشدة، وأيضاً دمشق حيث بدأت المديرية من خلال فرق سورية خبيرة بإعداد تقارير للتواصل مع اليونيسكو من أجل رفع مدينة دمشق عن لائحة الخطر حيث كانت وضعتها اليونيسكو على اللائحة بعد اندلاع الحرب في سورية، ويتم السعي حالياً للانتقال إلى مواقع أخرى التي سجلت على لائحة التراث العالمي لرفعها عن لائحة الخطر.
• هل يوجد اتفاقيات دولية بين سورية والمنظمات الدولية لاسترداد ما تم تهريبه من الآثار إلى دول الخارج..؟
يقول د. عوض: هذا السؤال مهم، لكنه معقد وشائك جدا، فالقطع الأثرية التي تهرب إلى الخارج يجري عليها أعمال تغيير واستصدار وثائق أيضاً كوثائق مليكة وغير ذلك لمحاولة طمس ملامحها وأنها موجودة منذ سنوات و ليست سورية، لافتاً أن اللقى الأثرية التي تم تهريبها من الصعب جدا إعادتها لأنه لا يوجد عنها أي تفاصيل، مشيراً أن وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف أنشأت ما يسمى مكتب الاسترداد عام 2012 مهمته التواصل باستمرار مع الانتربول الدولي ومع مؤسسات أخرى مثل اليونيسكو لإعادة التراث المنهوب، كاشفاً أنه تم استعادة76 قطعة أثرية من لبنان، وأيضا دخل إلى متحف دمشق قطعتين عن طريق أحد السوريين المغتربين في ايطاليا، إضافة إلى استعادة 35 ألف قطعة عن طريق الجيش العربي السوري و المؤسسات الأمنية، حيث استردت من الداخل السوري والبعض منها كان معدا للتهريب.قلعة صلاح الدين
مدير عام الآثار والمتاحف أكدّ أنّ استرداد القطع من الخارج معقد جدا ويحتاج إلى عمل قانوني و متابعة، و إلى الكثير من التفاصيل عنها لإثبات أنها سورية، لكن لحسن الحظ تمت المحافظة على أغلب المتاحف باستثناء متحفي الرقة و ادلب من أصل 32 متحف على مستوى القطر، منوهاً بوجود توثيق للقطع الموجدة فيها في كلا المتحفين، لكن يجب أن تظهر هذه القطع من أجل المطالبة فيها، فالعملية اذا معقدة وشائكة لأن عملية الاسترداد، يقابلها أشخاص متمرسين بل خبراء في عملية الاتجار وفي نقل القطع و وضعها في أماكن لوقت طويل، وأيضاً استخلاص أوراق ثبوتية لها وتزوير أوراقها الأصلية، ورغم كل ذلك الدولة مستمرة في معركة الدفاع عن التراث الثقافي الأثري، منوهاً أنّ سورية تعتبر دولة عظمى بما تمتلك من آثار، فالمتحف الوطني بدمشق صنف العاشر عالمياً لاحتوائه على قطع أثرية استثنائية مهمة جدا.
• هل هناك قوانين دولية لحماية الآثار، وماذا عن القانون الخاص بالآثار السورية، أجاب د. عوض: طبعاً يوجد قانون خاص لحماية الآثار السورية ومنع اتجارها، و يعتبر من أفضل القوانين العربية، وقريبا جداً سيصدر قانون جديد للأثار، علما أن الأمم المتحدة أصدرت قرارين عام 2015 جرمت فيهما الإتجار بالآثار السورية، لكن القوانين في البلدان التي وصلت إليها القطع الأثرية لاتشبه بعضها البعض، حيث أنّ بعض الدول تسمح بالإتجار ببعض الاشياء ولا تسمح ببعضها الآخر، إذاً القوانين معقدة، وليس من السهل استعادة اللقى الأثرية، لكن هناك من يقدم مساعدة جادة من القضاء و الانتربول في سبيل استعادة التراث المنهوب.
• دكتور نظير كنت عضواً في اللجنة التي كشفت في عهد وزير الثقافة الأسبق (ع. خ) على الآثار التي صادرتها جمارك حمص في الدبوسية، وكانت قد وضعت في متحف طرطوس وعند الكشف عليها من قبل دائرة الآثار أقرت أنها مهربة من المدن المنسية في ادلب / مكونات قصر كامل/ اللجنة قالت في تقريرها (ليست آثار لكنها تحاكي الآثار). فماهي قناعتك بتلك النتيجة هل هي آثار فعلا أم أنها تحاكي للعلم كان عدد القطع الاثرية 149 قطعة وبالنتيجة أعادوا البضاعة إلى صاحبها بشرط ألا يقوم بتصديرها.
أجاب د. عوض أنه لم يكن باللجنة اطلاقا ولم يكن حينها مدير شؤون متاحف، مؤكداً كل قطعة أثرية تدخل المتحف لا تعاد للشخص مهما بلغت قوة العلاقات الشخصية مع أي مسؤول، فالمديرية تعمل بموجب القوانين والأنظمة، وكل ما هو أثري من هذا النوع إلا بعض القطع التي قد تكون موجودة في البيوت أو غير ذلك فهي ملك لأصحابها، علماً أنها تسجل في المديرية بأنها محفوظة لديهم لكن في هذا الموضوع لا يمكن ابدا أن يكون هناك كم أو عدد من القطع الأثرية إذا تحدثنا عن تفاصيل أنه مكونات قصر من ادلب، مؤكداً لا يوجد أحد فوق القانون، لكن هناك الكثير من المصانع أو الورشات التي تصنع حجر قد تصّنع حجر على شاكلة الآثار، وعلى الخبراء أن يفرقوا ما بين المصنّع حديثا وبين ما هو أثري، لن أقول أن هذا الأمر سهل جدا لكن يتوفر خبرا ء يستطيعون التفريق بينهما، منوهاً أنه لا يذكر خلال عمله في المديرية على مدى 30 عام أنه ضبطت قطعة أثرية مع شخص ثم أعيدت له على الاطلاق، موضوع الآثار مهم جدا ومكانه الطبيعي المتحف، وذكرت سابقا عن الكثير من القطع الاثرية التي صادرتها المؤسسات الأمنية على الحدود و أعادتها إلى المتحف الوطني، وسلمت بشكل رسمي ودخلت على السجلات.
• كلمة أخيرة
مدير عام الآثار والمتاحف ختم بالقول برسالة وجهها إلى جميع السوريين، مفادها أنّ الآثار ملك للجميع والدفاع عنها واجب مقدس على كل مواطن، سواء كان داخل البلد أو خارجها لأنها تمثل ماضي السوريين وحاضرهم ومستقبلهم، باختصار التراث هو الهوية الجامعة والجذر الذي يرتبط به السوريين مع أرضهم.