كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

رمضان في الذاكرة الشعبية الساحلية.. بيت الشيخ يونس مثالاً

طرطوس– فاديا مجد- خاص فينكس:

ارتبط شهر رمضان الفضيل عند أهالي قرية بيت الشيخ يونس، في ريف صافيتا، بعادات وطقوس رمضانية خاصة، بقيت في ذاكرة الأجيال على مر الأيام..

فماهي تلك الطقوس الرمضانية؟ وهل بقيت الى يومنا هذا..؟
يقول الباحث في التراث الشعبي نزيه عبد الحميد، وهو من أبناء تلك القرية: اشتهرت قريتنا بمسجدها المتربع على رأس تلة تناثرت حوله بيوت القرية، وقد شيّد المسجد، عام ١٢٦٧ هجري، بطريقة الأبنية العقد، حيث الحجارة مبنية فيه في الجدران والسقف، وهذا التاريخ موثق ومنقوش على حجر يعلو بابه الرئيسي...مسجد بيت الشيخ يونس1
وعن طقوس وعادات رمضان أيام زمان في القرية، قال عبد الحميد: عندما يهل الشهر الفضيل، وقبل أن يحين موعد الآذان لصلاة العشاء، كان المؤذن يصعد إلى مئذنة المسجد الحجرية بواسطة سلم حجري لولبي داخلي، وينشد بصوته الشجي القوي، وتردد مجموعة من الشباب والأولاد معه أبياتاً شعرية ترحب بالشهر الكريم في الليالي العشر الأولى، وتذكّر بالترحيل في الليالي العشر الثانية، حيث كان الحجيج يستعدون للرحيل لأداء مناسك الحج، بدءاً من العاشر من شهر رمضان، وكذلك أبياتاً شعرية أيضا تردد في وداع شهر مضان.
و ذلك كلّه كان ينشد بألحان تراثية جميلة حافظ عليها الأجداد والآباء، ومازال الأبناء يرددونها كل ليلة عندما يحين موعد آذان العشاء.
وذكر لنا عبد الحميد بعض الأبيات الخاصة بالترحيب بقدوم شهر رمضان الفضيل نورد منها:
أهلاً بشهر على كل الشهور علا
أهلاً بشهر به القرآن قد نزلا
أهلاً بشهر زهت في الأفق طلعته
ونوّرت بسناه السهلا و الجبلا
أهلاً بشهر صيام المسلمين به
فرض من الله لايرضى به بدلا
وأمّا ماكان يردّد في لياليه العشر الثانية، يقول عبدالحميد: ياراحلين الى منى بقيادي
شوقتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم ياوحشتي
والشوق أقلقني وصوت الحادي
ياراحلين توقفوا في سيركم
فعساني أظفر منكم بمرادي
فإذا وصلتم سالمين فبلغوا
مني السلام أهيل ذاك الوادي
بشرى لمن نال الهنا بوروده
ذاك المقام وفاز بالاسعاد
ومما كان يردد من أشعار في وداع شهر رمضان المبارك، ذكر عبد الحميد بعض الأبيات ومنها:
لما تولى شهرنا شهر الصيام
فاضت دموعي مثل فيضان الغمام
ناديت يا أسفي و يا كثر الغرام
يا شهرنا هذا عليك السلام
يا هاشمي مني عليك السلام
وعن فترة السحور أيام زمان، أشار الباحث عبد الحميد الى أنه قبل أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر كان ينطلق عدد من المشايخ المرتلين لتراتيل دينية في حارات القرية، وكان هذا بمقام المسحراتي في يومنا هذا.
وحول تحضيرات ربة المنزل لمائدة الافطار، يذكر الباحث نزيه أن كل سيدة كانت تحضر طعاما أغلبه من مشتقات الألبان المتوفرة بكثرة في تلك الأيام، إضافة للبيض ولحم الدجاج أو ما تقطفه من البرية ويسمونه (السليق) وهي نباتات تنبت بماء المطر، إضافة للخضروات والبرغل والأرز، وكانت سيدة البيت تطبخ لوجبة السحور ليلاً ولطعام الافطار قبل المغرب، ولم يكن الصوم يمنعهن من القيام بواجباتهن المنزلية والزراعية من فلاحة وحصاد ونقل للماء من العين في أسفل الوادي.قرية بيت الشيخ يونس
ولفت عبد الحميد الى أنه في وقتنا الحالي تغيرت الأحوال، حيث حلّ مكبّر الصوت والاذاعة مكان المؤذن الذي كان يصعد السلم الحجري ليؤذن من أعلاه ويردد التراتيل والأشعار الخاصة بليالي رمضان، كما اقتصرت وجبة السحور حاليا على حواضر البيت المعدة مسبقاً من لبنة وجبنة وزيتون وبيض وبعض الفواكه مع شرب المته.
وختم الباحث عبد الحميد كلامه بالإشارة الى تمسك سكان القرية بعادة تبادل صحون الطعام بين الاهل والجيران، وإرسال ما يفيض عن حاجتهم من طعام منتوج زراعتهم أو مما يربونه كهدايا لجيرانهم وللمحتاجين من أبناء القرية إضافة الى حرص المقتدرين ماديا على إخراج زكاة أموالهم وارسالها الى المحتاجين سراً.