كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ماهي الآمال والتحديات التي تواجهها الحكومة السورية القادمة؟

يوسف حسن - فينكس

بعد انجاز انتخابات مجلس الشعب في سورية في ظل تحديات داخلية واجتماعية ومسؤوليات جسيمة تقع على عاتق الدولة، و تلكؤٍ في العمل هنا وهناك، وضغوط العقوبات، ومرحلة مابعد الحرب، وفي ظل الأحداث الجسيمة التي تعصف بالمنطقة ولعل أبرزها وأهمها الجبهة الفلسطينية الملتهبة والمحاولات لتوسعة الحرب من قبل الكيان الصهيوني ينتظر الحكومة القادمة أياماً صعبة ملؤها التحديات والمشاكل المختلفة على الأصعدة كافة وفيما يلي نعرض بعض التحديات المهمة التي ينبغي على مجلس الشعب، وكذلك الحكومة القادمة أخذها بعين الاعتبار لا سيما في هذه المرحلة الحساسة والاستثنائية.
*الجانب الاقتصادي:
لا شكّ ومما لا لبس فيه أن العقوبات الجائرة أحادية الجانب المفروضة على سورية والنفط المسروق وخيرات الشمال والشرق المنهوبة وبقايا الحرب لها دورها وحضورها وتأثيرها، لكن ليس منطقياً أبداً الاستسلام لهذه الأسباب مهما كانت وجيهة، وإذا ما فرضنا جدلاً أننا سنستسلم لهذه الظروف فلا حاجة لتشكيل الحكومة مطلقاً وإنما انهزام داخليّ واستسلام ينخر في الجسد السوري حتى يخر صعقاً متهالكاً. لكن السوريين لديهم قدراتهم المبدعة وأيادٍ خبيرة شريفة وطنية لم تعرف الاستسلام وعملت في أحلك الظروف وأصعبها وأعقدها ويمكنها اليوم النهوض بالاقتصاد مجدداً كما عهدنا بسورية و شعبها المعطاء. لكن أسوأ ما يمكن أن تقع فيه الحكومات في ظل هذه الظروف هي النظريات الإقتصادية الليبرالية في بلد اشتراكي يؤمن بالإشتراكية ودور مؤسسات الدولة واستقلال وقوة القطاع العام ووضعه في خدمة المجتمع، لكن للأسف هذه ما لم نشهده في سياسة الحكومات السابقة بل على النقيض كانت هناك محاولات لإدخال الخصصة والليبرالية المقننة والتذرع بذرائع واهية غير مدروسة وغير نابعة من معرفة السوق والبنية الإقتصادية السورية. و إن حدث أن الشركات العامة تعاني الترهل والتقادم وهي بنية خاسرة وعبء على الدولة ومؤسساتها فهذا صحيح جزئياً ولا يكون الحل بتسليمها للقطاع الخاص، بل يجب التفكير بطريقة القطاع الخاص لإدارة المنشآنت ولكن باستخدام العقل الإشتراكي أعني هنا إدارة القطاع العام. فهناك حاجة ملحة لإعادة النظر بسياسات النقد والقطع الأجنبي والتجارة الخارجية بشقيها الصادرات والواردات والشفافية المطلقة في منح إجازات الاستيراد وعدم التذرع بوضع البلد وذريعة العقوبات فالعالم لا يقتصر على الاتحاد الأوروبي وأمريكا فلنا أصدقاء منتجون لهم حصتهم في السوق العالمية.
والسعي لتذليل العقبات أمام التجار والصناعيين بشكل يمكن معه أن تكون القيمة للسلعة في متناول المستهلك بأدنى التكاليف مع هانش أرباح مناسب للجميع تجاراً و مستهلكين.
أما على صعيد الصناعة فلقد عانت الويلات و لا تزال تعاني دون توجه واهتمام بها يوازي حجم الكارثة، وإن الاهتمام الذي بُذل غير كافٍ أبداً، ولا يغني عن المصيبة التي أصابت الصناعة في مقتل بعد ضربها في قلبها وهو حلب. فلابد من التعامل بجدية وأن يكون الاهتمام أكثر بالخدمات والمرافق والنقل الخاص بالمدن الصناعية، وأهم من هذا وذاك موضوع تأمين الطاقة من وقود وكهرباء. وأهم ما يمكن فعله اليوم في سبيل دعم الصناعيين هو إعفاؤهم من الضرائب المالية كلياً أو جزئياً، وهذا يمكنه أن يعود بالخير والنفع على العباد والبلاد.
والأهم من هذا وذاك استقطاب المستثمر السوري الذي يعاني في تركية ومصر، وقد تردد إلى مسامعنا عن قيام مصر بترتيب وضع السوريين المقيمين فيها وإعادة النظر بإقاماتهم وبالحوافز التشجيعية التي بذلت لهم، وكذلك تركية، وهذه فرصة ذهبية لن تتكرر ولو استثمرتها الحكومة القادمة لصالحها فستكون أقوى انجازاتها في كل دورتها.
*الجانب الخدمي:
القطاع التعليمي والصحي من أهم قطاعات الحياة في سورية، وتعاني ما تعانيه مما لا حاجة لذكره هنا والاستطراد فيه فالمشافي الحكومية والمستوصفات والمراكز الصحية تعاني حالها حال كل مناحي الحياة في سورية، ولا بد من تفعيلها فهي ملجأ الفقير و المواطن الذي أتت الحرب على كل شيء يملكه وإن أي اتجاه في خصصة هذا القطاع جريمة كبيرة بحق السوريين ولا يمكن في هذه الطامة والاوضاع السيئة الاتجاه بهذا النحو، فلا بد من دعم هذه المشافي وتخديمها ودعمها بالكوادر الوطنية المحترفة مع أجور محترمة تؤمن كفاف الحياة وتوقف النزيف في هذا القطاع من أطباء و ممرضين يقض مضاجع السوريين ويوجع قلوبهم.
أما في مجال التعليم فإن فشل نظام التعليم لا قدر الله سيؤدي إلى ضرب النظام الإجتماعي في مقتل وتدمير الأجيال القادمة التي على عاتقها تقع مهمة اتمام النصر والبناء، وإن نجاح التلميذ من نجاح معلمه ولا نجاح لمعلم يجد كفاف حياته في المعاهد الخاصة لا في مدرسته، وهذا ما ينذر بتدمير البنية التعليمية السورية والتي بحمد الله ومع كل ما حصل لها احترامها و مكانتها على الأقل عربياً، لكن التساهل في موضوع المدارس والتعليم سيخلق لنا جيلاً جاهلاً يعاني كل الأمراض الإجتماعية التي من شأنها تدمير البلاد وسلخ الأجيال من وطنها ووطنيتها. فالمزيد من الاعتناء بالمدارس وكوادرها ومواصلاتها وأجورها ومرافقها العامة يجب أن تكون أولى أولويات الحكومة القادمة أن أرادت خدمة الشعب.
*الجانب السياسي:
الظروف السياسية الإقليمية تمر بالمرحلة الأكثر تعقيداً في العقدين الماضيين، ولكن بشائر الأمل وبوارقه تلوح فهاهي العلاقات العربية تعود لدمشق والتعاون العربي السوري يكبر وينمو ويتعافى يوماً بعد يوم، ولهذا على الحكومة الاستفادة من الظروف الراهنة للمنطقة وتوطيد علاقاتها السياسية والاقتصادية والإجتماعية.
أما على صعيد العلاقة مع الحلفاء فتحتاج الحكومة للإرادة والشجاعة في اتخاذ القرارات ومتابعة الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة مع بلدان الحلفاء والأصدقاء، فمثلاً من المهم التواصل مع الجانب الإيراني لمتابعة الأربعة عشر اتفاقية التي سمع عنها السوريون الكثير لكن نتائجها لم تر النور! و هنا لابد من تحديد مكامن الخلل والمعوقات التي حالت دون ذلك و ليس الوضع مع الحليف الروسي والصديق الصيني بأفضل مما هو حال الإيرانيين. فهل تخاف الحكومات عقد الاتفاقيات أم أن هناك مايخفى على العوام أمثالنا؟! لكن العمل والإصرار وتحمل المسؤوليات هو الطريق الوحيد الذي يضمن لهذه الحكومة محبة الشعب ودعمه فهذه الأمة في سورية لا تعرف المستحيل.
*الجانب الأمني:
مخلفات الحرب والإرهاب وتوترات الشرق والشمال والتحركات المشبوهة في السويداء من أهم التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة بأجهزتها الأمنية وفي مقدمتها وزارة الداخلية، لكن مرحلة التعافي على وشك البدء وعودة السوريين الذي هجِّروا من البلاد قسرياً بفعل الإرهاب والمعارك التي دارت رحاها في أحيائهم ومدنهم وقراهم حق لهم وهي من توجهات السيد الرئيس بشار الأسد ولكن بعض التفاصيل الروتينية التي تعاني منها الدوائر في الداخلية والقضاء حالها حال غيرها من المؤسسات، وكذلك الحملات التشويهية الدولية للمؤسسة الأمنية السورية من أجل استثمار اللجوء كورقة ضغط على الشعب السوري وعليه لابد من وجود منصة أو وزارة أو على الأقل هيكلية تسرع هذه العمليات وترتبط مع الجهات المختصة تسمى الهيئة العامة لشؤون المهجّرين تتولى تقديم التسهيلات للمواطنين السوريين وتقدم لهم کل الدعم الإداري واستحصال الموافقات من الجهات المختصة أولئك الذين باتوا اليوم وأكثر من أي وقت مضى يرغبون من أعماق قلوبهم بالعودة لبيوتهم ومدنهم وقراهم رغم كل الظروف الاقتصادية.
خلاصة القول:

على القادمين من صفوف الشعب لاستلام زمام الأمور وضع حال الشعب الذي يعيشون معه وبينه نصب أعينهم، وأن يكونوا على أهبة الاستعداد والثقة واليقظة والوعي للنهوض بسورية وتقديم أقصى ما يستطيعون، فسيسألهم الوطن والشعب والله والتاريخ.